Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
( ﴿يَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ﴾ .
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَعْنى جُمْلَةِ وهو العَلِيُّ العَظِيمُ ولِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ عَلَيْها، أيْ يَكادُ السَّماواتُ عَلى عَظَمَتِهِنَّ يَتَشَقَّقْنَ مِن شِدَّةِ تَسَخُّرِهِنَّ فِيما يُسَخِّرُهُنَّ اللَّهُ لَهُ مِن عَمَلٍ لا يُخالِفُ ما قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُنَّ، وأيْضًا قَدْ قِيلَ: إنَّ المَعْنى: يَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن كَثْرَةِ ما فِيهِنَّ مِنَ المَلائِكَةِ والكَواكِبِ وتَصارِيفِ الأقْدارِ، فَيَكُونُ في مَعْنى قَوْلِ النَّبِيءِ ﷺ: «أطَّتِ السَّماءُ وبِحَقِّها أنْ تَئِطَّ، والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ما فِيها مَوْضِعُ شِبْرٍ إلّا فِيهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ ساجِدٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ بِحَمْدِهِ» ويُرَجِّحُهُ تَعْقِيبُهُ بَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ كَما سَيَأْتِي.
وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ والكِسائِيُّ (يَكادُ) بِتَحْتِيَّةٍ في أوَّلِهِ. وقَرَأهُ الباقُونَ بِفَوْقِيَّةٍ وهُما وجْهانِ جائِزانِ في الفِعْلِ المُسْنَدِ إلى جَمْعٍ غَيْرِ المُذَكَّرِ السّالِمِ وخاصَّةً مَعَ عَدَمِ التَّأْنِيثِ الحَقِيقِيِّ. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ مَرْيَمَ قَوْلُهُ: (﴿يَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنهُ﴾ [مريم: ٩٠]) .
صفحة ٣٠
وقَرَأ الجُمْهُورُ يَتَفَطَّرْنَ بِتَحْتِيَّةٍ ثُمَّ فَوْقِيَّةٌ وأصْلُهُ مُضارِعُ التَّفَطُّرِ، وهو مُطاوِعُ التَّفْطِيرِ الَّذِي هو تَكْرِيرُ الشَّقِّ. وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ ويَعْقُوبُ بِتَحْتِيَّةٍ ثُمَّ نُونٍ وهو مُضارِعُ: انْفَطَرَ، مُطاوِعُ الفَطْرِ مَصْدَرِ فَطَرَ الثُّلاثِيِّ، إذا شَقَّ، ولَيْسَ المَقْصُودُ مِنهُ عَلى القِراءَتَيْنِ قَبُولَ أثَرِ الفاعِلِ؛ إذْ لا فاعِلَ هُنا لِلشَّقِّ وإنَّما المَقْصُودُ الخَبَرُ بِحُصُولِ الفِعْلِ، وهَذا كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِمُ: انْشَقَّ ضَوْءُ الفَجْرِ، فَلا التِفاتَ هُنا لِما يُقْصَدُ غالِبًا في مادَّةِ التَّفَعُّلِ مِن تَكْرِيرِ الفِعْلِ إذْ لا فاعِلَ لِلشَّقِّ هُنا ولا لِتَكَرُّرِهِ، فاسْتَوَتِ القِراءَتانِ في بابِ البَلاغَةِ، عَلى أنَّ اسْتِعْمالَ صِيَغِ المُطاوَعَةِ في اللُّغَةِ ذُو أنْحاءَ كَثِيرَةٍ واعْتِباراتٍ كَما نَبَّهَ عَلَيْهِ كَلامُ الرَّضِيِّ في شَرْحِ الشّافِيَةِ.وقَوْلُهُ ﴿مِن فَوْقِهِنَّ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ فَوْقِهِنَّ عائِدًا عَلى السَّماواتِ، فَيَكُونَ المَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ يَتَفَطَّرْنَ بِمَعْنى: أنَّ انْشِقاقَهُنَّ يَحْصُلُ مِن أعْلاهُنَّ، وذَلِكَ أبْلَغُ الِانْشِقاقِ لِأنَّهُ إذا انْشَقَّ أعْلاهُنَّ كانَ انْشِقاقُ ما دُونَهُ أوْلى، كَما قِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى: وهي خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ وفي سُورَةِ الحَجِّ. وتَكُونُ (مِن) ابْتِدائِيَّةً.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عائِدًا إلى الأرْضِ مِن قَوْلِهِ تَعالى وما في الأرْضِ عَلى تَأْوِيلِ الأرْضِ بِأرَضِينَ بِاعْتِبارِ أجْزاءِ الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ أوْ بِتَأْوِيلِ الأرْضِ بِسُكّانِها مِن بابِ واسْألِ القَرْيَةَ.
وتَكُونُ (مِن) زائِدَةً زِيادَتَها مَعَ الظُّرُوفِ لِتَأْكِيدِ الفَوْقِيَّةِ، فَيُفِيدُ الظَّرْفُ اسْتِحْضارَ حالَةِ التَّفَطُّرِ وحالَةِ مَوْقِعِهِ، وقَدْ شُبِّهَ انْشِقاقُ السَّماءِ بِانْشِقاقِ الوَرْدَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ ورْدَةً كالدِّهانِ﴾ [الرحمن: ٣٧] . والوَرْدَةُ تَنْشَقُّ مِن أعْلاها حِينَ يَنْفَتِحُ بِرْعُومُها فَيُوشِكُ إنْ هُنَّ تَفَطَّرْنَ أنْ يَخْرِرْنَ عَلى الأرْضِ، أيْ يَكادُ يَقَعُ ذَلِكَ لِما فَشا في الأرْضِ مِن إشْراكٍ وفَسادٍ عَلى مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: (﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا﴾ [مريم: ٨٨] ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا﴾ [مريم: ٨٩] ﴿يَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنهُ﴾ [مريم: ٩٠] ﴿وتَنْشَقُّ الأرْضُ وتَخِرُّ الجِبالُ هَدًّا﴾ [مريم: ٩٠]) ويُرَجِّحُهُ قَوْلُهُ الآتِي ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أولِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ [الشورى: ٦] . وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ (يَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) مِن قَوْلِ المُشْرِكِينَ اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا.
صفحة ٣١
* * *
﴿والمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويَسْتَغْفِرُونَ لِمَن في الأرْضِ ألا إنَّ اللَّهَ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ جُمْلَةٌ عُطِفَتْ عَلى جُمْلَةِ (﴿يَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾) لِإفادَتِها تَقْرِيرَ مَعْنى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعالى وجَلالِهِ المَدْلُولِ عَلَيْهِما بَقَوْلِهِ وهو العَلِيُّ العَظِيمُ.مَرْتَبَةُ واجِبِ الوُجُودِ سُبْحانَهُ وهو أهْلُ التَّنْزِيهِ والحَمْدِ. ومَرْتَبَةُ الرَّوْحانِيّاتِ وهي المَلائِكَةُ وهي واسِطَةُ المُتَصَرِّفِ القَدِيرِ ومُفِيضِ الخَيْرِ في تَنْفِيذِ أمْرِهِ مِن تَكْوِينٍ وهُدًى وإفاضَةِ خَيْرٍ عَلى النّاسِ، فَهي حِينُ تَتَلَقّى مِنَ اللَّهِ أوامِرَهُ تُسَبِّحُهُ وتَحْمَدُهُ، وحِينَ تَفِيضُ خَيْراتُ رَبِّها عَلى عِبادِهِ تَسْتَغْفِرُ لِلَّذِينِ يَتَقَبَّلُونَها تَقَبُّلَ العَبِيدِ المُؤْمِنِينَ بِرَبِّهِمْ، وتِلْكَ إشارَةٌ إلى حُصُولِ ثَمَراتِ إبْلاغِها، وذَلِكَ بِتَأْثِيرِها في نَظْمِ أحْوالِ العالَمِ الإنْسانِيِّ.
ومَرْتَبَةُ البَشَرِيَّةِ المُفَضَّلَةِ بِالعَقْلِ إذْ أكْمَلُهُ الإيمانُ وهي المُرادُ بِـ (مَن في الأرْضِ) .