Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿والَّذِينَ يُحاجُّونَ في اللَّهِ مِن بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهم داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ولَهم عَذابٌ شَدِيدٌ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وقُلْ آمَنتُ بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الشورى: ١٥] إلَخْ، وهو يَقْتَضِي انْتِقالَ الكَلامِ، فَلَمّا اسْتَوْفى حَظَّ أهْلِ الكِتابِ فِيِ شَأْنِ المُحاجَّةِ مَعَهم، رَجَعَ إلى المُشْرِكِينَ في هَذا الشَّأْنِ بَقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ يُحاجُّونَ في اللَّهِ﴾ الآيَةَ.
وتَغْيِيرُ الأُسْلُوبِ بِالإتْيانِ بِالِاسْمِ الظّاهِرِ المَوْصُولِ وكَوْنِ صِلَتِهِ مادَّةَ الِاحْتِجاجِ مُؤْذِنٌ بِتَغْيِيرِ الغَرَضِ في المُتَحَدِّثِ عَنْهم مَعَ مُناسَبَةِ ما أُلْحِقَ بِهِ مِن قَوْلِهِ: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِها الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها﴾ [الشورى: ١٨] وقَوْلُهُ: ﴿أمْ لَهم شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهم مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١]، فالمَقْصُودُ بِـ ﴿الَّذِينَ يُحاجُّونَ في اللَّهِ مِن بَعْدِ اسْتُجِيبَ لَهُ﴾: المُشْرِكُونَ لِأنَّهم يُحاجُّونَ في شَأْنِ اللَّهِ وهو الوَحْدانِيَّةُ دُونَ اليَهُودِ مِن أهْلِ الكِتابِ؛ فَإنَّهم لا يُحاجُّونَ في تَفَرُّدِ اللَّهِ بِالإلَهِيَّةِ.
وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: ﴿الَّذِينَ يُحاجُّونَ في اللَّهِ﴾ رِجالٌ طَمِعُوا أنْ تَعُودَ الجاهِلِيَّةُ بَعْدَ ما دَخَلَ النّاسُ في الإسْلامِ. ووَقَعَ في كَلامِ ابْنِ عَبّاسٍ عِنْدَ الطَبَرِيِّ: أنَّهُمُ اليَهُودُ والنَّصارى.
فَمَعْنى مُحاجَّتِهِمْ في اللَّهِ مُحاجَّتُهم في دِينِ اللَّهِ، أيْ إدْخالُهم عَلى النّاسِ الشَّكَّ في صِحَّةِ دِينِ الإسْلامِ أوْ في كَوْنِهِ أفْضَلَ مِنَ اليَهُودِيَّةِ والنَّصْرانِيَّةِ. ومُحاجَّتُهم هي ما يُلْبِسُوهُ بِهِ عَلى المُسْلِمِينَ لِإدْخالِ الشَّكِّ عَلَيْهِمْ في اتِّباعِ الإسْلامِ كَقَوْلِ المُشْرِكِينَ ﴿ما لِهَذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي في الأسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٧] وقَوْلِهِمْ في الأصْنامِ ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] وقَوْلِهِمْ في إنْكارِ البَعْثِ ﴿أإذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بِعِيدٌ﴾ [ق: ٣] وقَوْلِهِمْ ﴿إنْ نَتَّبِعِ الهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِن أرْضِنا﴾ [القصص: ٥٧]
صفحة ٦٦
وكَقَوْلِ أهْلِ الكِتابِ: نَحْنُ الَّذِينَ عَلى دِينِ إبْراهِيمَ، وقَوْلِهِمْ: كِتابُنا أسْبَقُ مِن كِتابِ المُسْلِمِينَ.وإطْلاقُ اسْمِ الحُجَّةِ عَلى شُبُهاتِهِمْ مُجاراةٌ لَهم بِطَرِيقِ التَّهَكُّمِ، والقَرِينَةُ قَوْلُهُ: ﴿داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ .
ومَفْعُولُ يُحاجُّونَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿مِن بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ﴾، والتَّقْدِيرُ: يُحاجُّونَ المُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ مِن بَعْدِ ما اسْتَجابُوا لَهُ، أيِ اسْتَجابُوا لِدَعْوَتِهِ عَلى لِسانِ رَسُولِهِ ﷺ .
وحَذَفَ فاعِلَ اسْتُجِيبَ إيجازًا لِأنَّ المَقْصُودَ مِن بَعْدِ حُصُولِ الِاسْتِجابَةِ المَعْرُوفَةِ.
والدّاحِضَةُ: الَّتِي دَحَضَتْ بِفَتْحِ الحاءِ، يُقالُ: دَحَضَتْ رِجْلُهُ تَدْحَضُ: بِفَتْحِ الحاءِ دُحُوضًا، أيْ زَلَّتِ. اسْتُعِيرَ الدَّحْضُ لِلْبُطْلانِ بِجامِعِ عَدَمِ الثُّبُوتِ كَما لا تَثْبُتُ القَدَمُ في المَكانِ الدَّحْضِ، ولَمْ يُبَيِّنْ وجْهَ دَحْضِها اكْتِفاءً بِما بَيَّنَ في تَضاعِيفِ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى فَسادِ تَعَدُّدِ الآلِهَةِ، وعَلى صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ، وعَلى إمْكانِ البَعْثِ، وبِما ظَهَرَ لِلْعِيانِ مَن تَزايُدِ المُسْلِمِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وأمْنِهِمْ مِن أنْ يُعْتَدى عَلَيْهِمْ.
والغَضَبُ: غَضَبُ اللَّهِ، وإنَّما نُكِّرَ لِلدَّلالَةِ عَلى شِدَّتِهِ. ولَمْ يُحْتَجْ إلى إضافَتِهِ إلى اسْمِ الجَلالَةِ أوْ ضَمِيرِهِ لِظُهُورِ المَقْصُودِ مِن قَوْلِهِ: ﴿حُجَّتُهم داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ . فالتَّقْدِيرُ: وعَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ.
وإنَّما قَدَّمَ المُسْنَدَ عَلى المَسْنَدِ إلَيْهِ بَقَوْلِهِ وعَلَيْهِمْ غَضَبٌ لِلِاهْتِمامِ بِوُقُوعِ الغَضَبِ عَلَيْهِمْ كَما هو مُقْتَضى حَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ.
وكَذَلِكَ القَوْلُ في ﴿ولَهم عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ . ولَعَلَّ المُرادَ بِهِ عَذابُ السَّيْفِ في الدُّنْيا بِالقَتْلِ يَوْمَ بَدْرٍ.