﴿إنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ العِلَّةِ لِلْمُبْدَلِ مِنهُ وهو ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ [الشورى: ٤٩] فَمَوْقِعُ (إنَّ) هُنا مَوْقِعُ فاءِ التَّفْرِيعِ.

والمَعْنى: أنَّ خَلْقَهُ ما يَشاءُ لَيْسَ خَلْقًا مُهْمَلًا عَرِيًّا عَنِ الحِكْمَةِ لِأنَّهُ واسِعُ العِلْمِ لا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنَ المَعْلُوماتِ فَخَلْقُهُ الأشْياءَ يَجْرِي عَلى وفْقِ عِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ.

وهُوَ قَدِيرٌ نافِذُ القُدْرَةِ، فَإذا عَلِمَ الحِكْمَةَ في خَلْقِ شَيْءٍ أرادَهُ، فَجَرى عَلى قَدْرِهِ. ولَمّا جَمَعَ بَيْنَ وصْفَيِ العِلْمِ والقُدْرَةِ تَعَيَّنَ أنَّ هُنالِكَ صِفَةً مَطْوِيَّةً وهي الإرادَةُ لِأنَّهُ إنَّما تَتَعَلَّقُ قُدْرَتُهُ بَعْدَ تَعَلُّقِ إرادَتِهِ بِالكائِنِ.

وتَفْصِيلُ المَعْنى: أنَّهُ عَلِيمٌ بِالأسْبابِ والقُوى والمُؤَثِّراتِ الَّتِي وضَعَها في العَوالِمِ، وبِتَوافُقِ آثارِ بَعْضِها وتَخالُفِ بَعْضٍ، وكَيْفَ تَتَكَوَّنُ الكائِناتُ عَلى نَحْوِ ما قَدَّرَ لَها مِنَ الأوْضاعِ، وكَيْفَ تَتَظاهَرُ فَتَأْتِي الآثارُ عَلى نَسَقٍ واحِدٍ، وتَتَمانَعُ فَيَنْقُصُ تَأْثِيرُ بَعْضِها في آثارِهِ بِسَبَبِ مُمانَعَةِ مُؤَثِّراتٍ أُخْرى، وكُلُّ ذَلِكَ مِن مَظاهِرِ عِلْمِهِ تَعالى في أصْلِ التَّكْوِينِ العالَمِيِّ ومَظاهِرِ قُدْرَتِهِ في الجَرْيِ عَلى وِفاقِ عِلْمِهِ.