﴿بَلْ قالُوا إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ هَذا إضْرابُ إبْطالٍ عَنِ الكَلامِ السّابِقِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَهم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ [الزخرف: ٢١] فَهو إبْطالٌ لِلْمَنفِيِّ لا لِلنَّفْيِ؛ أيْ لَيْسَ لَهم عِلْمٌ فِيما قالُوهُ ولا نَقْلٌ. فَكانَ هَذا الكَلامُ مَسُوقًا مَساقَ الذَّمِّ لَهم إذْ لَمْ يُقارِنُوا بَيْنَ ما جاءَهم بِهِ الرَّسُولُ وبَيْنَ ما تَلَقَّوْهُ مِن آبائِهِمْ فَإنَّ شَأْنَ العاقِلِ أنْ يُمَيِّزَ ما يُلْقى إلَيْهِ مِن الِاخْتِلافِ ويَعْرِضَهُ عَلى مِعْيارِ الحَقِّ.

والأُمَّةُ هُنا بِمَعْنى المِلَّةِ والدِّينِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ الأنْبِياءِ: ﴿إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ [الأنبياء: ٩٢]، وقَوْلِ النّابِغَةِ:

وهَلْ يَأْثَمَن ذُو أُمَّةٍ وهو طائِعُ

أيْ ذُو دِينٍ.

و(عَلى) اسْتِعارَةُ تَبَعِيَّةٌ لِلْمُلابَسَةِ والتَّمَكُّنِ.

وقَوْلُهُ: (﴿عَلى آثارِهِمْ﴾) خَبَرُ (إنَّ) . و(مُهْتَدُونَ) خَبَرٌ ثانٍ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (﴿عَلى آثارِهِمْ﴾) مُتَعَلِّقًا بِـ (مُهْتَدُونَ) بِتَضْمِينِ (مُهْتَدُونَ) مَعْنى (سائِرُونَ) أيْ أنَّهم لا حُجَّةَ لَهم في عِبادَتِهِمُ الأصْنامَ إلّا تَقْلِيدُ آبائِهِمْ، وذَلِكَ ما يَقُولُونَهُ عِنْدَ المُحاجَّةِ إذْ لا حُجَّةَ لَهم غَيْرُ ذَلِكَ.

وجَعَلُوا اتِّباعَهم إيّاهُمُ اهْتِداءً لِشِدَّةِ غُرُورِهِمْ بِأحْوالِ آبائِهِمْ بِحَيْثُ لا يَتَأمَّلُونَ في مُصادَمَةِ أحْوالِهِمْ لِلْحَقِّ.