﴿وإنَّهم لَيَصُدُّونَهم عَنِ السَّبِيلِ ويَحْسِبُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ فَهو لَهُ قَرِينٌ أيْ مُقارَنَةَ صَدٍّ عَنِ السَّبِيلِ.

وضَمِيرا ”إنَّهم ويَصُدُّونَ“ عائِدانِ إلى ”شَيْطانًا“ لِأنَّهُ لَمّا وقَعَ مِن مُتَعَلِّقاتِ الفِعْلِ الواقِعِ جَوابَ شَرْطٍ اكْتَسَبَ العُمُومَ تَبَعًا لِعُمُومِ (مَن) في سِياقِ الشَّرْطِ فَإنَّها مِن صِيَغِ العُمُومِ؛ مِثْلُ النَّكِرَةِ الواقِعَةِ في سِياقِ الشَّرْطِ عَلى خِلافٍ بَيْنَ أئِمَّةِ أُصُولِ الفِقْهِ في عُمُومِ النَّكِرَةِ الواقِعَةِ في سِياقِ الشَّرْطِ ولَكِنَّهُ لا يَجْرِي هُنا لِأنَّ عُمُومَ ”شَيْطانًا“ تابِعٌ لِعُمُومِ ”مَن“ إذْ أجْزاءُ جَوابِ الشَّرْطِ تَجْرِي عَلى حُكْمِ أجْزاءِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ، فَقَرِينَةُ عُمُومِ النَّكِرَةِ هُنا لا تَتْرُكُ مَجالًا لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ لِأجْلِ القَرِينَةِ لا لِمُطْلَقِ وُقُوعِ النَّكِرَةِ في سِياقِ الشَّرْطِ.

وضَمِيرُ النَّصْبِ في يَصُدُّونَهم عائِدٌ إلى (مَن) لِأنَّ (مَن) الشَّرْطِيَّةُ عامَّةٌ فَكَأنَّهُ قِيلَ: كُلُّ مَن يَعْشُو عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهم شَياطِينَ لِكُلِّ واحِدٍ شَيْطانٌ.

وضَمِيرا ”﴿ويَحْسَبُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ﴾“ عائِدانِ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ النَّصْبِ مِن يَصُدُّونَهم، أيْ ويَحْسَبُ المَصْدُودُونَ عَنِ السَّبِيلِ أنْفُسَهم مُهْتَدِينَ.

وقَدْ تَتَشابَهُ الضَّمائِرُ فَتَرُدُّ القَرِينَةُ كُلَّ ضَمِيرٍ إلى مَعادِهِ كَما في قَوْلِ عَبّاسِ بْنِ مِرْداسٍ:

عُدْنا ولَوْلا نَحْنُ أحْدَقَ جَمْعُهم بِالمُسْلِمِينَ وأحْرَزُوا ما جَمَّعُوا

صفحة ٢١٢

فَضَمِيرُ: أحْرَزُوا، لِجَمْعِ المُشْرِكِينَ، وضَمِيرُ: جَمَّعُوا، لِلْمُسْلِمِينَ. وضَمِيرُ الجَمْعِ في قَوْلِهِ تَعالى ”﴿وعَمَرُوها أكْثَرَ مِمّا عَمَرُوها﴾ [الروم: ٩]“ في سُورَةِ الرُّومِ.

والتَّعْرِيفُ في السَّبِيلِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ. والسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ السّابِلَةُ المُمْتَدَّةُ المُوَصِّلَةُ إلى المَطْلُوبِ.

وقَدْ مُثِّلَتْ حالَةُ الَّذِينَ يَعْشُونَ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وحالُ مُقارَنَةِ الشَّياطِينِ لَهم بِحالِ مَنِ اسْتَهْدى قَوْمًا لِيَدُلُّوهُ عَلى طَرِيقٍ مُوصِلٍ لِبُغْيَتِهِ فَضَلَّلُوهُ وصَرَفُوهُ عَنِ السَّبِيلِ وأسْلَكُوهُ في فَيافِي التِّيهِ غِشًّا وخَدِيعَةً، وهو يَحْسَبُ أنَّهُ سائِرٌ إلى حَيْثُ يَبْلُغُ طَلِبَتَهُ.

فَجُمْلَةُ ”﴿ويَحْسَبُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ﴾“ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ”وإنَّهم“، فَهي في مَعْنى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ ”فَهو“ والرّابِطُ واوُ الحالِ، والتَّقْدِيرُ: ويَحْسَبُ المَصْدُودُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ بِهِمْ إلى السَّبِيلِ.

والِاهْتِداءُ: العِلْمُ بِالطَّرِيقِ المُوَصِّلِ إلى المَقْصُودِ.