Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها﴾ الأظْهَرُ أنَّ هَذا عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] ويَكُونُ ما بَيْنَهُما مُسْتَطْرِداتٍ واعْتِراضًا اقْتَضَتْهُ المُناسَبَةُ.
لَمّا أُشْبِعَ مَقامُ إبْطالِ إلَهِيَّةِ غَيْرِ اللَّهِ بِدَلائِلِ الوَحْدانِيَّةِ ثُنِي العِنانُ إلى إثْباتِ أنَّ القُرْآنَ حَقٌّ، عَوْدًا عَلى بَدْءٍ.
وهَذا كَلامٌ مُوَجَّهٌ مِن جانِبِ اللَّهِ تَعالى إلى المُنْكِرِينَ يَوْمَ البَعْثِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ النَّبِيءِ ﷺ .
وضَمِيرُ المُذَكَّرِ الغائِبُ في قَوْلِهِ ﴿وإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ﴾ مُرادٌ بِهِ القُرْآنُ وبِذَلِكَ
صفحة ٢٤٣
فَسَّرَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَيَكُونُ هَذا ثَناءً ثامِنًا عَلى القُرْآنِ، فالثَّناءُ عَلى القُرْآنِ اسْتَمَرَّ مُتَّصِلًا مِن أوَّلِ السُّورَةِ آخِذًا بَعْضَهُ بِحُجَزِ بَعْضٍ مُتَخَلَّلًا بِالمُعْتَرِضاتِ والمُسْتَطْرِداتِ ومُتَخَلِّصًا إلى هَذا الثَّناءِ الأخِيرِ بِأنَّ القُرْآنَ أعْلَمَ النّاسَ بِوُقُوعِ السّاعَةِ.ويُفَسِّرُهُ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ بِالَّذِي أُوحِيَ إلَيْكَ ويُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ، عَلى أنَّ وُرُودَ مِثْلِ هَذا الضَّمِيرِ في القُرْآنِ مُرادًا بِهِ القُرْآنُ كَثِيرٌ مَعْلُومٌ مِن غَيْرِ مَعادٍ فَضْلًا عَلى وُجُودِ مَعادِهِ.
ومَعْنى تَحْقِيقِ أنَّ القُرْآنَ عِلْمٌ لِلسّاعَةِ أنَّهُ جاءَ بِالدِّينِ الخاتَمِ لِلشَّرائِعِ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ مَجِيءِ القُرْآنِ إلّا انْتِظارُ انْتِهاءِ العالَمِ. وهَذا مَعْنى ما رُوِيَ مِن قَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ: «بُعِثْتُ أنا والسّاعَةِ كَهاتَيْنِ، وقَرَنَ بَيْنَ السَّبّابَةِ والوُسْطى مُشِيرًا إلَيْهِما»، والمُشابَهَةُ في عَدَمِ الفَصْلِ بَيْنَهُما.
وإسْنادُ ”عِلْمٌ لِلسّاعَةِ“ إلى ضَمِيرِ القُرْآنِ إسْنادٌ مَجازِيٌّ لِأنَّ القُرْآنَ سَبَبُ العِلْمِ بِوُقُوعِ السّاعَةِ إذْ فِيهِ الدَّلائِلُ المُتَنَوِّعَةُ عَلى إمْكانِ البَعْثِ ووُقُوعِهِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إطْلاقُ العِلْمِ بِمَعْنى المُعْلِمِ، مِنِ اسْتِعْمالِ المَصْدَرِ بِمَعْنى اسْمِ الفاعِلِ مُبالَغَةً في كَوْنِهِ مُحَصِّلًا لِلْعِلْمِ بِالسّاعَةِ إذْ لَمْ يُقارِبْهُ في ذَلِكَ كِتابٌ مِن كُتُبِ الأنْبِياءِ.
وقَدْ ناسَبَ هَذا المَجازَ أوِ المُبالَغَةَ التَّفْرِيعُ في قَوْلِهِ ﴿فَلا تَمْتَرُنَّ بِها﴾ لِأنَّ القُرْآنَ لَمْ يُبْقِ لِأحَدٍ مِرْيَةً في أنَّ البَعْثَ واقِعٌ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ أنَّ الضَّمِيرَ لِعِيسى، وتَأوَّلُوهُ بِأنَّ نُزُولَ عِيسى عَلامَةُ السّاعَةِ، أيْ سَبَبُ عِلْمٍ بِالسّاعَةِ، أيْ بِقُرْبِها، وهو تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ؛ فَإنَّ تَقْدِيرَ مُضافٍ وهو نُزُولُ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ ويُناكِدُهُ إظْهارُ اسْمِ عِيسى في قَوْلِهِ ولَمّا جاءَ عِيسى إلَخْ.
ويَجُوزُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ (إنَّهُ) ضَمِيرَ شَأْنٍ، أيْ أنَّ الأمْرَ المُهِمَّ لِعِلْمِ النّاسِ بِوُقُوعِ السّاعَةِ.
صفحة ٢٤٤
وعُدِّيَ فِعْلُ ﴿فَلا تَمْتَرُنَّ بِها﴾ بِالباءِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنى: لا تُكَذِّبُنَّ بِها، أوِ الباءِ بِمَعْنى (في) الظَّرْفِيَّةِ.* * *
﴿واتَّبَعُونِ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ المُتَكَلِّمِ عائِدًا إلى اللَّهِ تَعالى، أيِ اتَّبَعُوا ما أرْسَلْتُ إلَيْكم مِن كَلامِي ورَسُولِي، جَرْيًا عَلى غالِبِ الضَّمائِرِ مِن أوَّلِ السُّورَةِ كَما تَقَدَّمَ، فالمُرادُ بِاتِّباعِ اللَّهِ: اتِّباعُ أمْرِهِ ونَهْيِهِ وإرْشادِهِ الوارِدِ عَلى لِسانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فاتِّباعُ اللَّهِ تَمْثِيلٌ لِامْتِثالِهِمْ ما دَعاهم إلَيْهِ بِأنَّ شَبَّهَ حالَ المُمْتَثِلِينَ أمْرَ اللَّهِ بِحالِ السّالِكِينَ صِراطًا دَلَّهم عَلَيْهِ دَلِيلٌ. ويَكُونُ هَذا كَقَوْلِهِ في سُورَةِ الشُّورى ﴿وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] ﴿صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ [الشورى: ٥٣] .ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى النَّبِيءِ ﷺ بِتَقْدِيرِ: وقُلِ اتَّبِعُونِ، ومِثْلُهُ في القُرْآنِ كَثِيرٌ.
والإشارَةُ في ”﴿هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾“ لِلْقُرْآنِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ في قَوْلِهِ ﴿وإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ﴾ أوِ الإشارَةِ إلى ما هو حاضِرٌ في الأذْهانِ مِمّا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ أوِ الإشارَةِ إلى دِينِ الإسْلامِ المَعْلُومِ مِنَ المَقامِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: ١٥٣] .
وحُذِفَتْ ياءُ المُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا مَعَ بَقاءِ نُونِ الوِقايَةِ دَلِيلًًا عَلَيْها.