﴿أمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهم ونَجْواهم بَلى ورُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ (أمْ) والِاسْتِفْهامُ المُقَدَّرُ بَعْدَها في قَوْلِهِ ”﴿أمْ يَحْسَبُونَ﴾“ هُما مِثْلُ ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ”﴿أمْ أبْرَمُوا أمْرًا﴾ [الزخرف: ٧٩]“ .

وحَرْفُ (بَلى) جَوابٌ لِلنَّفْيِ مِن قَوْلِهِ ”﴿أنّا لا نَسْمَعُ﴾“، أيْ بَلى نَحْنُ نَسْمَعُ سِرَّهم ونَجْواهم.

صفحة ٢٦٣

والسَّمْعُ هو: العِلْمُ بِالأصْواتِ.

والمُرادُ بِالسِّرِّ: ما يُسِرُّونَهُ في أنْفُسِهِمْ مِن وسائِلِ المَكْرِ لِلنَّبِيءِ ﷺ، وبِالنَّجْوى ما يَتَناجَوْنَ بِهِ بَيْنَهم في ذَلِكَ بِحَدِيثٍ خَفِيٍّ.

وعَطَفَ ﴿ورُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ لِيَعْلَمُوا أنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِما يُسِرُّونَ عِلْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أثَرٌ فِيهِمْ وهو مُؤاخَذَتُهم بِما يُسِرُّونَ لِأنَّ كِتابَةَ الأعْمالِ تُؤْذِنُ بِأنَّها سَتُحْسَبُ لَهم يَوْمَ الجَزاءِ.

والكِتابَةُ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ حَقِيقَةً، وأنْ تَكُونَ مَجازًا، أوْ كِنايَةً عَنِ الإحْصاءِ والِاحْتِفاظِ.

والرُّسُلُ: هُمُ الحَفَظَةُ مِنَ المَلائِكَةِ لِأنَّهم مُرْسَلُونَ لِتَقَصِّي أعْمالَ النّاسِ ولِذَلِكَ قالَ ﴿لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨]، أيْ رَقِيبٌ يَرْقُبُ قَوْلَهُ.