Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وهْوَ الَّذِي في السَّماءِ إلَهٌ وفي الأرْضِ إلَهٌ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿قُلْ إنْ كانَ لِلرَّحْمَنِ ولَدٌ﴾ [الزخرف: ٨١] والجُمْلَتانِ اللَّتانِ بَيْنَهُما اعْتِراضانِ، قُصِدَ مِنَ العَطْفِ إفادَةُ نَفْيِ الشَّرِيكِ في الإلَهِيَّةِ مُطْلَقًا بَعْدَ نَفْيِ الشَّرِيكِ فِيها بِالبُنُوَّةِ، وقُصِدَ بِذِكْرِ السَّماءِ والأرْضِ الإحاطَةُ بِعَوالِمِ التَّدْبِيرِ والخَلْقِ لِأنَّ المُشْرِكِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ في الأرْضِ وهم أصْنامُهُمُ المَنصُوبَةُ، وجَعَلُوا لَهُ شُرَكاءَ في السَّماءِ وهُمُ المَلائِكَةُ إذْ جَعَلُوهم بَناتٍ لِلَّهِ تَعالى؛ فَكانَ قَوْلُهُ ﴿فِي السَّماءِ إلَهٌ وفي الأرْضِ إلَهٌ﴾ إبْطالًا لِلْفَرِيقَيْنِ مِمّا زُعِمَتْ إلَهِيَّتُهم.
وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ بِهَذِهِ الجُمْلَةِ أنْ يَكُونَ أوَّلُها ﴿الَّذِي في السَّماءِ إلَهٌ﴾ عَلى أنَّهُ وصْفٌ لِلرَّحْمَنِ مِن قَوْلِهِ ﴿إنْ كانَ لِلرَّحْمَنِ ولَدٌ﴾ [الزخرف: ٨١]، فَعَدَلَ عَنْ مُقْتَضى الظّاهِرِ بِإيرادِ الجُمْلَةِ مَعْطُوفَةً لِتَكُونَ مُسْتَقِلَّةً غَيْرَ صِفَةٍ، وبِإيرادِ مُبْتَدَأٍ فِيها لِإفادَةِ قَصْرِ صِفَةِ الإلَهِيَّةِ في السَّماءِ وفي الأرْضِ عَلى اللَّهِ تَعالى لا يُشارِكُهُ في ذَلِكَ غَيْرُهُ، لِأنَّ إيرادَ المُسْنَدِ إلَيْهِ مَعْرِفَةً والمُسْنَدِ مَعْرِفَةً طَرِيقٌ مِن طُرُقِ القَصْرِ. فالمَعْنى وهو لا غَيْرُهُ الَّذِي في السَّماءِ إلَهٌ وفي الأرْضِ إلَهٌ، وصِلَةُ ”الَّذِي“ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ حُذِفَ صَدْرُها، وصَدْرُها ضَمِيرٌ يَعُودُ إلى مُعادِ ضَمِيرِ ”وهو“ وحَذْفُ صَدْرِ الصِّلَةِ اسْتِعْمالٌ حَسَنٌ إذا طالَتِ الصِّلَةُ كَما هُنا. والتَّقْدِيرُ الَّذِي هو في السَّماءِ إلَهٌ.
صفحة ٢٦٨
والمَجْرُورانِ يَتَعَلَّقانِ بِـ ”إلَهٌ“ بِاعْتِبارِ ما يَتَضَمَّنُهُ مِن مَعْنى المَعْبُودِ لِأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِن ألَهَ، إذا عَبَدَ فَشابَهَ المُشْتَقَّ. وصَحَّ تَعَلُّقُ المَجْرُورِ بِهِ فَتَعَلُّقُهُ بِلَفْظِ إلَهٍ كَتَعَلُّقِ الظَّرْفِ بِغِرْبالٍ وأقْوى مِن تَعَلُّقِ المَجْرُورِ بِكانُونَ في قَوْلِ الحَطِيئَةِ يَهْجُو أُمَّهُ مِن أبْياتِ:أغِرْبالًا إذا اسْتُودِعْتِ سِرًّا وكانُونًا عَلى المُتَحَدِّثِينا
* * *
﴿وهْوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ﴾بَعْدَ أنْ وُصِفَ اللَّهُ بِالتَّفَرُّدِ بِالإلَهِيَّةِ أُتْبِعَ بِوَصْفِهِ بِـ ”﴿الحَكِيمُ العَلِيمُ﴾“ تَدْقِيقًا لِلدَّلِيلِ الَّذِي في قَوْلِهِ ﴿وهُوَ الَّذِي في السَّماءِ إلَهٌ وفي الأرْضِ إلَهٌ﴾، حَيْثُ دَلَّ عَلى نَفْيِ إلَهِيَّةِ غَيْرِهِ في السَّماءِ والأرْضِ واخْتِصاصُهُ بِالإلَهِيَّةِ فِيهِما لِما في صِيغَةِ القَصْرِ مِن إثْباتِ الوَصْفِ لَهُ ونَفْيِهِ عَمَّنْ سِواهُ، فَكانَ قَوْلُهُ وهو الحَكِيمُ العَلِيمُ تَتْمِيمًا لِلدَّلِيلِ واسْتِدْلالًا عَلَيْهِ، ولِذَلِكَ سَمَّيْناهُ تَدْقِيقًا إذِ التَّدْقِيقُ في الِاصْطِلاحِ هو ذِكْرُ الشَّيْءِ بِدَلِيلِ دَلِيلِهِ، وأمّا التَّحْقِيقُ فَذِكْرُ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ. لِأنَّ المَوْصُوفَ بِتَمامِ الحِكْمَةِ وكَمالِ العِلْمِ مُسْتَغْنٍ عَمّا سِواهُ فَلا يَحْتاجُ إلى ولَدٍ ولا إلى بِنْتٍ ولا إلى شَرِيكٍ.