﴿فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأرْضُ وما كانُوا مُنْظَرِينَ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنّاتٍ﴾ [الدخان: ٢٥] إلى قَوْلِهِ ﴿قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الدخان: ٢٨]، فَإنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَتَضَمَّنُ أنَّهم هَلَكُوا وانْقَرَضُوا، أيْ فَما كانَ مَهْلِكُهم إلّا كَمَهْلِكِ غَيْرِهِمْ ولَمْ يَكُنْ حَدَثًا عَظِيمًا كَما كانُوا يَحْسَبُونَ ويَحْسَبُ قَوْمُهم، وكانَ مِن كَلامِ العَرَبِ إذا هَلَكَ عَظِيمٌ أنْ يُهَوِّلُوا أمْرَ مَوْتِهِ بِنَحْوِ: بَكَتْ عَلَيْهِ السَّماءُ، وبَكَتْهُ الرِّيحُ، وتَزَلْزَلَتِ الجِبالُ، قالَ النّابِغَةُ في تَوَقُّعِ مَوْتِ النُّعْمانِ بْنِ المُنْذِرِ مِن مَرَضِهِ:

فَإنْ يَهْلِكْ أبُو قابُوسٍ يَهْلِكُ رَبِيعُ النّاسِ والبَلَدُ الحَرامُ

وقالَ في رِثاءِ النُّعْمانِ بْنِ الحارِثِ الغَسّانِيِّ:

بَكى حارِثُ الجَوْلانِ مِن فَقْدِ رَبِّهِ ∗∗∗ وحَوْرانُ مِنهُ مُوحَشٌ مُتَضائِلُ

صفحة ٣٠٤

والكَلامُ مَسُوقٌ مَساقَ التَّحْقِيرِ لَهم، وقَرِيبٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإنْ كانَ مَكْرُهم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبالُ﴾ [إبراهيم: ٤٦]، وهو طَرِيقَةٌ مَسْلُوكَةٌ وكَثُرَ ذَلِكَ في كَلامِ الشُّعَراءِ المُحْدَثِينَ، قالَ أبُو بَكْرِ بْنُ اللَّبّانَةِ الأنْدَلُسِيُّ في رِثاءِ المُعْتَمِدِ بْنِ عَبّادٍ مَلِكِ إشْبِيلِيَّةَ:

تَبْكِي السَّماءُ بِمُزْنٍ رائِحٍ غادِ ∗∗∗ عَلى البَهالِيلِ مِن أبْناءِ عَبّادِ

والمَعْنى: فَما كانَ هَلاكُهم إلّا كَهَلاكِ غَيْرِهِمْ ولا أُنْظِرُوا بِتَأْخِيرِ هَلاكِهِمْ بَلْ عُجِّلَ لَهُمُ الِاسْتِئْصالُ.