﴿ولَقَدِ اخْتَرْناهم عَلى عِلْمٍ عَلى العالَمِينَ﴾

إشارَةٌ إلى أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدِ اخْتارَ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ عَلى أُمَمِ عَصْرِهِمْ كَما اخْتارَ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى أُمَمِ عَصْرِهِمْ وأنَّهُ عالِمٌ بِأنَّ أمْثالَهم أهْلٌ لِأنْ يَخْتارَهُمُ اللَّهُ. والمَقْصُودُ: التَّنْوِيهُ بِالمُؤْمِنِينَ بِالرُّسُلِ وأنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ يَنْصُرَهُمُ اللَّهُ عَلى أعْدائِهِمْ ولِأجْلِ هَذِهِ الإشارَةِ أُكِّدَ الخَبَرُ بِاللّامِ و(قَدْ)، كَما أُكِّدَ في قَوْلِهِ آنِفًا ﴿ولَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الدخان: ٣٠] . و(عَلى) في قَوْلِهِ عَلى عِلْمٍ بِمَعْنى (مَعَ)، كَقَوْلِ الأحْوَصِ:

إنِّي عَلى ما قَدْ عَلِمْتُ مُحَسَّدٌ أُنْمِي عَلى البَغْضاءِ والشَّنَآنِ

ومَوْضِعُ المَجْرُورِ بِها مَوْضِعُ الحالِ.

والمُرادُ بِـ ”العالَمِينَ“ الأُمَمُ المُعاصِرَةُ لَهم. ثُمَّ بَدَّلُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ

صفحة ٣٠٦

الذِّلَّةُ، وقَدِ اخْتارَ اللَّهُ أصْحابَ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلى الأُمَمِ فَقالَ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] أيْ أخْرَجَها اللَّهُ لِلنّاسِ.

واخْتارَ المُسْلِمِينَ بَعْدَهُمُ اخْتِيارًا نِسْبِيًّا عَلى حَسَبِ اسْتِقامَتِهِمْ واسْتِقامَةِ غَيْرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ عَلى أنَّ التَّوْحِيدَ لا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ.