Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿إنَّ المُتَّقِينَ في مُقامٍ أمِينٍ﴾ ﴿فِي جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿يَلْبَسُونَ مِن سُنْدُسٍ وإسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ﴾
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ انْتَقَلَ بِهِ الكَلامُ مِن وصْفِ عَذابِ الأثِيمِ إلى وصْفِ نَعِيمِ المُتَّقِينَ لِمُناسَبَةِ التَّضادِّ عَلى عادَةِ القُرْآنِ في تَعْقِيبِ الوَعِيدِ بِالوَعْدِ والعَكْسُ.
صفحة ٣١٧
والمُقامُ بِضَمِّ المِيمِ: مَكانُ الإقامَةِ. والمَقامُ بِفَتْحِ المِيمِ: مَكانُ القِيامِ ويَتَناوَلُ المَسْكَنَ وما يَتْبَعُهُ.وقَرَأهُ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ وأبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ المِيمِ. وقَرَأهُ الباقُونَ بِفَتْحِ المِيمِ.
والمُرادُ بِالمَقامِ المَكانُ فَهو مَجازٌ بِعَلاقَةِ الخُصُوصِ والعُمُومِ.
والأمِينُ بِمَعْنى الآمِنِ والمُرادُ: الآمِنُ ساكِنُهُ، فَوَصْفُهُ بِـ ”أمِينٍ“ مَجازٌ عَقْلِيٌّ كَما قالَ تَعالى ﴿وهَذا البَلَدِ الأمِينِ﴾ [التين: ٣] . والأمْنُ أكْبَرُ شُرُوطِ حُسْنِ المَكانِ لِأنَّ السّاكِنَ أوَّلُ ما يَتَطَلَّبُ الأمْنَ وهو السَّلامَةُ مِنَ المَكارِهِ والمَخاوِفِ فَإذا كانَ آمِنًا في مَنزِلِهِ كانَ مُطْمَئِنَّ البالِ شاعِرًا بِالنَّعِيمِ الَّذِي يَنالُهُ. وأبَدَلَ مِنهُ بِأنَّهم ﴿فِي جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ وذَلِكَ مِن وسائِلِ النُّزْهَةِ والطِّيبِ. وأُعِيدَ حَرْفُ (في) مَعَ البَدَلِ لِلتَّأْكِيدِ.
والجَنّاتُ: جَمْعُ جَنَّةٍ، وتَقَدَّمَ في أوَّلِ البَقَرَةِ. والعُيُونُ: جَمْعُ عَيْنٍ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿فانْفَجَرَتْ مِنهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [البقرة: ٦٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ، فَهَذا نَعِيمُ مَكانِهِمْ. ووَصَفَ نَعِيمَ أجْسادِهِمْ بِذِكْرِ لِباسِهِمْ وهو لِباسُ التَّرَفِ والنَّعِيمِ وفِيهِ كِنايَةٌ عَنْ تَوَفُّرِ أسْبابِ نَعِيمِ الأجْسادِ لِأنَّهُ لا يَلْبَسُ هَذا اللِّباسَ إلّا مَنِ اسْتَكْمَلَ ما قَبْلَهُ مِن مُلائِماتِ الجَسَدِ باطِنَهُ وظاهِرَهُ.
والسُّنْدُسُ: الدِّيباجُ الرَّقِيقُ النَّفِيسُ، والأكْثَرُ عَلى أنَّهُ مُعَرَّبٌ مِنَ الفارِسِيَّةِ وقِيلَ عَرَبِيٌّ. أصْلُهُ: سِنْدِيٌّ، مَنسُوبٌ إلى السِّنْدِ عَلى غَيْرِ قِياسٍ. والسُّنْدُسُ يُلْبَسُ مِمّا يَلِي الجَسَدَ.
والإسْتَبْرَقُ: الدِّيباجُ القَوِيُّ يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيابِ وهو مُعَرَّبُ ”اسْتَبَرَهْ“ فارِسِيَّةٌ، وهو الغَلِيظُ مُطْلَقًا ثُمَّ خُصَّ بِغَلِيظِ الدِّيباجِ، ثُمَّ عُرِّبَ.
وتَقَدَّما في قَوْلِهِ ﴿ويَلْبَسُونَ ثِيابًا خُضْرًا مِن سُنْدُسٍ وإسْتَبْرَقٍ﴾ [الكهف: ٣١] في سُورَةِ الكَهْفِ فارْجِعْ إلَيْهِ.
و(مِن) لِبَيانِ الجِنْسِ، والمُبَيَّنُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ يَلْبَسُونَ. والتَّقْدِيرُ: ثِيابًا مِن سُنْدُسٍ وإسْتَبْرَقٍ.
صفحة ٣١٨
ثُمَّ وصَفَ نَعِيمَ نُفُوسِهِمْ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ في مَجالِسِهِمْ ومُحادَثاتِهِمْ بِقَوْلِهِ مُتَقابِلِينَ؛ لِأنَّ الحَدِيثَ مَعَ الأصْحابِ والأحِبَّةِ نَعِيمٌ لِلنَّفْسِ فَأغْنى قَوْلُهُ مُتَقابِلِينَ عَنْ ذِكْرِ اجْتِماعِهِمْ وتَحابِّهِمْ وحَدِيثِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وأنَّ ذَلِكَ شَأْنُهم أجْمَعِينَ بِأنَّ ذِكْرَ ما يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وهو صِيغَةُ مُتَقابِلِينَ ومادَّتُهُ عَلى وجْهِ الإيجازِ البَدِيعِ.