﴿تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالحَقِّ فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وآياتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾

يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ وبَيانُها بِآياتِ اللَّهِ إشارَةً إلى الآياتِ المَذْكُورَةِ في قَوْلِهِ ﴿لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣] وقَوْلِهِ ”﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩] وقَوْلِهِ“ ﴿آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الجاثية: ٥] .

وإضافَتُها إلى اسْمِ الجَلالَةِ لِأنَّ خالِقَها عَلى تِلْكَ الصِّفاتِ الَّتِي كانَتْ لَها آياتٌ لِلْمُسْتَنْصِرِينَ.

وجُمْلَةُ ﴿نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالحَقِّ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن آياتِ اللَّهِ. والعامِلُ في اسْمِ الإشارَةِ مِن مَعْنى الفِعْلِ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وهَذا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢] .

والتِّلاوَةُ: القِراءَةُ. ومَعْنى كَوْنِ الآياتِ مَتْلُوَّةً أنَّ في ألْفاظِ القُرْآنِ المَتْلُوَّةِ دِلالَةٌ عَلَيْها فاسْتِعْمالُ فِعْلِ نَتْلُو مَجازٌ عَقْلِيٌّ لِأنَّ المَتْلُوَّ ما يَدُلُّ عَلَيْها.

صفحة ٣٣٠

ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى حاضِرٍ في الذِّهْنِ غَيْرِ مَذْكُورٍ لِما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ”الكِتابِ“ أيْ تِلْكَ آياتُ اللَّهِ المُنَزَّلَةُ في القُرْآنِ، فَيَكُونُ اسْتِعْمالُ فِعْلِ ”نَتْلُوها“ في حَقِيقَتِهِ.

وإسْنادُ التِّلاوَةِ إلى اللَّهِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ أيْضًا لِأنَّ اللَّهَ مُوجِدُ القُرْآنِ المَتْلُوِّ الدّالِّ عَلى تِلْكَ الآياتِ.

وقَوْلُهُ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وآياتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾، و(بَعْدَ) هُنا بِمَعْنى (دُونَ) . فالمَعْنى: فَبِأيِّ حَدِيثٍ دُونَ اللَّهِ وآياتِهِ، وتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن ولِيٍّ مِن بَعْدِهِ﴾ [الشورى: ٤٤] في سُورَةِ الشُّورى، وفي الأعْرافِ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٥] . والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ﴾ مُسْتَعْمَلٌ في التَّأْيِيسِ والتَّعْجِيبِ كَقَوْلِ الأعْشى:

فَمِن أيِّ ما تَأْتِي الحَوادِثُ أفْرَقُ

وإضافَةُ (بَعْدَ) إلى اسْمِ الجَلالَةِ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ دَلَّ عَلَيْهِ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ فَبِأيِّ حَدِيثٍ، والتَّقْدِيرُ: بَعْدَ حَدِيثِ اللَّهِ، أيْ بَعْدَ سَماعِهِ، كَقَوْلِ النّابِغَةِ:

وقَدْ خِفْتُ حَتّى ما تَزِيدَ مَخافَتِي ∗∗∗ عَلى وعْلٍ في ذِي المَطارَةِ عاقِلُ

أيْ عَلى مَخافَةِ وعْلٍ.

واسْمُ (بَعْدَ) مُسْتَعْمَلٌ في حَقِيقَتِهِ.

والمُرادُ بِالحَدِيثِ: الكَلامُ، يَعْنِي القُرْآنَ كَقَوْلِهِ ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ﴾ [الزمر: ٢٣] وكَما وقَعَ إضافَةُ حَدِيثٍ إلى ضَمِيرِ القُرْآنِ في قَوْلِهِ في الأعْرافِ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٥] وفي آخِرِ المُرْسَلاتِ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [المرسلات: ٥٠] .

وعَطَفَ ”وآياتِهِ“ عَلى ”حَدِيثٍ“ لِأنَّ المُرادَ بِها الآياتُ غَيْرُ القُرْآنِ مِن دَلائِلِ السَّماواتِ والأرْضِ مِمّا تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿إنَّ في السَّماواتِ والأرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣] .

صفحة ٣٣١

وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وحَفْصٌ وأبُو جَعْفَرٍ ورَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ ”يُؤْمِنُونَ“ بِالتَّحْتِيَّةِ. وقَرَأهُ أبُو عامِرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وأبُو بَكْرٍ ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ فَهو التِفاتٌ.