صفحة ٣٦٥

﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يَجْمَعُكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾

تَلْقِينٌ لِإبْطالِ قَوْلِهِمْ ﴿وما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤] يَتَضَمَّنُ إبْطالَ قَوْلِهِمْ ﴿ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا﴾ [الجاثية: ٢٤] .

والمَقْصُودُ مِنهُ قَوْلُهُ ثُمَّ يُمِيتُكم وإنَّما قُدِّمَ عَلَيْهِ يُحْيِيكم تَوْطِئَةً لَهُ، أيْ كَما هو أوْجَدَكم هو يُمِيتُكم لا الدَّهْرُ، فَتَقْدِيمُ اسْمِ اللَّهِ عَلى المَسْنَدِ الفِعْلِيِّ وهو ”﴿يُحْيِيكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾“ يُفِيدُ تَخْصِيصَ الإحْياءِ والإماتَةِ بِهِ لِإبْطالِ قَوْلِهِمْ، إنَّ الدَّهْرَ هو الَّذِي يُمِيتُهم.

وقَوْلُهُ ثُمَّ يَجْمَعُكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ إبْطالٌ لِقَوْلِهِمْ ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا ولَيْسَ هو إبْطالًا بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلالِ لِأنَّ أدِلَّةَ هَذا تَكَرَّرَتْ فِيما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ فاسْتُغْنِيَ عَنْ تَفْصِيلِها ولَكِنَّهُ إبْطالٌ بِطَرِيقِ الإجْمالِ والمُعارَضَةِ.

وقَوْلُهُ ”لا رَيْبَ فِيهِ“ حالٌ مِن يَوْمِ القِيامَةِ، أيْ لا رَيْبَ في وُجُودِهِ بِما يَقْتَضِيهِ مِن إحْياءِ الأمْواتِ، ومَعْنى نَفْيِ الرَّيْبِ فِيهِ أنَّهُ حَقِيقَةُ الرَّيْبِ وهي الَّتِي تَتَقَوَّمُ مِن دَلائِلَ تُفْضِي إلى الشَّكِّ مُنْتَفِيَةً عَنْ قَضِيَّةِ وُقُوعِ يَوْمِ القِيامَةِ بِكَثْرَةِ الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى إمْكانِهِ وعَلى أنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِقُدْرَةِ اللَّهِ لَيْسَ أعْجَبَ مِن بَدْءِ الخَلْقِ، وأنَّ اللَّهَ أخْبَرَ عَنْ وُقُوعِهِ فَوَجَبَ القَطْعُ بِوُقُوعِهِ. فَكانَ الشَّكُّ فِيهِ جَدِيرًا بِالِاقْتِلاعِ فَكَأنَّهُ مَعْدُومٌ. وهَذا كَما «قالَ النَّبِيءُ ﷺ لَمّا سُئِلَ عَنِ الكُهّانِ لَيْسُوا بِشَيْءٍ» مَعَ أنَّهم مَوْجُودُونَ فَأرادَ أنَّهم لَيْسُوا بِشَيْءٍ حَقِيقٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ.

وعُطِفَ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ عَلى قَوْلِهِ ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أيْ ولَكِنَّ ارْتِيابَ كَثِيرٍ مِنَ النّاسِ فِيهِ لِأنَّهم لا يَعْلَمُونَ دَلائِلَ وُقُوعِهِ.