﴿وبَدا لَهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾

عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ [الجاثية: ٣١] بِاعْتِبارِ تَقْدِيرِ: فَيُقالُ لَهم، أيْ فَيُقالُ لَهم ذَلِكَ ﴿وبَدا لَهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا﴾، أيْ جُمِعَ لَهم بَيْنَ التَّوْبِيخِ والإزْعاجِ فَوُبِّخُوا بِقَوْلِهِ ﴿أفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ [الجاثية: ٣١] إلى آخِرِهِ، وأُزْعِجُوا بِظُهُورِ سَيِّئاتِ أعْمالِهِمْ، أيْ ظُهُورِ جَزاءِ سَيِّئاتِهِمْ حِينَ رَأوْا دارَ العَذابِ وآلاتِهِ رُؤْيَةَ مَن يُوقِنُ بِأنَّها مُعَدَّةٌ لَهُ وذَلِكَ بِعِلْمٍ يَحْصُلُ لَهم عِنْدَ رُؤْيَةِ الأهْوالِ.

صفحة ٣٧٤

وعَبَّرَ بِالسَّيِّئاتِ عَنْ جَزائِها إشارَةً إلى تَمامِ المُعادَلَةِ بَيْنَ العَمَلِ وجَزائِهِ حَتّى جُعِلَ الجَزاءُ نَفْسَ العَمَلِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ ﴿فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: ٣٥] .

ومَعْنى حاقَ: أحاطَ.

و﴿ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَعُمُّ كُلَّ ما كانَ طَرِيقَ اسْتِهْزاءٍ بِالإسْلامِ مِن أقْوالِهِمُ الصّادِرَةِ عَنِ اسْتِهْزاءٍ مِثْلُ قَوْلِهِمْ ﴿إنْ نَظُنُّ إلّا ظَنًّا وما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢] . وقَوْلُ العاصِ بْنِ وائِلٍ لِخَبّابِ بْنِ الأرَتِّ: لَأُوتَيَنَّ مالًا ووَلَدًا في الآخِرَةِ فَأقْضِي مِنهُ دَيْنَكَ. ومِنَ الأشْياءِ الَّتِي جَعَلُوها هُزُؤًا مِثْلَ عَذابِ جَهَنَّمَ وشَجَرَةِ الزَّقُّومِ وهو ما عُبِّرَ عَنْهُ آنِفًا بِـ ﴿سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا﴾ . وإنَّما عَدَلَ عَنِ الإضْمارِ إلى المَوْصُولِيَّةِ لِأنَّ في الصِّلَةِ تَغْلِيطًا لَهم وتَنْدِيمًا عَلى ما فَرَّطُوا مِن أخْذِ العُدَّةِ لِيَوْمِ الجَزاءِ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:

إنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهم إخْوانَكم يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أنْ تُصْرَعُوا

والمَعْنى: أنَّهم قَدْ أُودِعُوا جَهَنَّمَ فَأحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها.

والباءُ في ”بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ“ يَجُوزُ حَمْلُها عَلى السَّبَبِيَّةِ وعَلى تَعْدِيَةِ فِعْلِ ”يَسْتَهْزِئُونَ“ إلى ما لا يَتَعَدّى إلَيْهِ أيِ العَذابِ.