﴿فاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ولا تَسْتَعْجِلْ لَهم كَأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلّا ساعَةً مِن نَهارٍ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى ما سَبَقَ في هَذِهِ السُّورَةِ مِن تَكْذِيبِ المُشْرِكِينَ رِسالَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ بِجَعْلِهِمُ القُرْآنَ مُفْتَرًى واسْتِهْزائِهِمْ بِهِ وبِما جاءَ بِهِ مِنَ البَعْثِ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمّا جاءَهم هَذا سِحْرٌ﴾ [الأحقاف: ٧] مُبِينٌ، وما اتَّصَلَ بِهِ مَن ضَرْبِ المَثَلِ لَهم بِعادٍ. فَأمَرَ الرَّسُولَ ﷺ بِالصَّبْرِ عَلى ما لَقِيَهُ مِنهم مِن أذًى، وضَرَبَ لَهُ المَثَلَ بِالرُّسُلِ أُولِي العَزْمِ.

صفحة ٦٧

ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الفاءُ فَصِيحَةً. والتَّقْدِيرُ: فَإذا عَلِمْتَ ما كانَ مِنَ الأُمَمِ السّابِقَةِ وعَلِمْتَ كَيْفَ انْتَقَمْنا مِنهم وانْتَصَرْنا بِرُسُلِنا فاصْبِرْ كَما صَبَرُوا.

وأُولُو العَزْمِ: أصْحابُ العَزْمِ، أيِ المُتَّصِفُونَ بِهِ.

والعَزْمُ: نِيَّةٌ مُحَقَّقَةٌ عَلى عَمَلٍ أوْ قَوْلٍ دُونَ تَرَدُّدٍ. قالَ تَعالى ﴿فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] وقالَ ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥] . وقالَ سَعْدُ بْنُ ناشِبٍ مِن شُعَراءِ الحَماسَةِ يَعْنِي نَفْسَهُ:

إذا هَمَّ ألْقى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَـهُ ونَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ العَواقِبِ جانِبًا

والعَزْمُ المَحْمُودُ في الدِّينِ: العَزْمُ عَلى ما فِيهِ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وصَلاحُ الأُمَّةِ، وقِوامُهُ الصَّبْرُ عَلى المَكْرُوهِ وباعِثُهُ التَّقْوى، وقُوَّتُهُ شِدَّةُ المُراقَبَةِ بِأنْ لا يَتَهاوَنَ المُؤْمِنُ عَنْ مُحاسَبَتِهِ نَفْسَهُ قالَ - تَعالى - ﴿وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦] وقالَ ﴿ولَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] . وهَذا قَبْلَ هُبُوطِ آدَمَ إلى عالَمِ التَّكْلِيفِ، وعَلى هَذا تَكُونُ (مِن) في قَوْلِهِ مِنَ الرُّسُلِ تَبْعِيضِيَّةً. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: كُلُّ الرُّسُلِ أُولُو عَزْمٍ، وعَلَيْهِ تَكُونُ (مِن) بَيانِيَّةً.

وهَذِهِ الآيَةُ اقْتَضَتْ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ مِن أُولِي العَزْمِ لِأنَّ تَشْبِيهَ الصَّبْرِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ بِصَبْرِ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ يَقْتَضِي أنَّهُ مِثْلُهم لِأنَّهُ مُمْتَثِلٌ لِأمْرِ رَبِّهِ، فَصَبْرُهُ مَثِيلٌ لِصَبْرِهِمْ، ومَن صَبَرَ صَبْرَهم كانَ مِنهم لا مَحالَةَ.

وأعْقَبَ أمْرَهُ بِالصَّبْرِ بِنَهْيِهِ عَنْ الِاسْتِعْجالِ لِلْمُشْرِكِينَ، أيْ الِاسْتِعْجالِ لَهم بِالعَذابِ، أيْ لا تَطْلُبْ مِنّا تَعْجِيلَهُ لَهم وذَلِكَ لِأنَّ الِاسْتِعْجالَ يُنافِي العَزْمَ ولِأنَّ في تَأْخِيرِ العَذابِ تَطْوِيلًا لِمُدَّةِ صَبْرِ الرَّسُولِ ﷺ بِكَسْبِ عَزْمِهِ قُوَّةً.

ومَفْعُولُ تَسْتَعْجِلْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ المَقامُ، تَقْدِيرُهُ: العَذابُ أوِ الهَلاكُ.

واللّامُ في لَهم لامُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ الِاسْتِعْجالِ إلى المَفْعُولِ لِأجْلِهِ، أيْ لا تَسْتَعْجِلْ لِأجْلِهِمْ، والكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ إذِ التَّقْدِيرُ: لا تَسْتَعْجِلْ لِهَلاكِهِمْ.

وجُمْلَةُ ﴿كَأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلّا ساعَةً مِن نَهارٍ﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ

صفحة ٦٨

عَنْ الِاسْتِعْجالِ لَهم بِالعَذابِ بِأنَّ العَذابَ واقِعٌ بِهِمْ فَلا يُؤَثِّرُ في وُقُوعِهِ تَطْوِيلُ أجْلِهِ ولا تَعْجِيلُهُ، قالَ مُرَّةُ بْنُ عَدّاءٍ الفَقْعَسِيُّ، ولَعَلَّهُ أخَذَ قَوْلَهُ مِن هَذِهِ الآيَةِ:

كَأنَّكَ لَمْ تُسْبَقْ مِنَ الدَّهْـرِ لَـيْلَةً ∗∗∗ إذا أنْتَ أدْرَكْتَ الَّذِي كُنْتَ تَطْلُبُ

وهم عِنْدَ حُلُولِهِ مُنْذُ طُولِ المُدَّةِ يُشْبِهُ حالُهم حالَ عَدَمِ المُهْلَةِ إلّا ساعَةً قَلِيلَةً.

ومِن نَهارٍ وصْفُ السّاعَةِ، وتَخْصِيصُها بِهَذا الوَصْفِ لِأنَّ ساعَةَ النَّهارِ تَبْدُو لِلنّاسِ قَصِيرَةً لِما لِلنّاسِ في النَّهارِ مِنَ الشَّواغِلِ بِخِلافِ ساعَةِ اللَّيْلِ تَطُولُ إذْ لا يَجِدُ السّاهِرُ شَيْئًا يَشْغَلُهُ. فالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ كَما في حَدِيثِ الجُمُعَةِ قَوْلُهُ ﷺ «وفِيهِ ساعَةٌ يُسْتَجابُ فِيها الدُّعاءُ»، وأشارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُها، والسّاعَةُ جُزْءٌ مِنَ الزَّمَنِ.

* * *

﴿بَلاغٌ﴾

فَذْلَكَةٌ لِما تَقَدَّمَ بِأنَّهُ بَلاغٌ لِلنّاسِ مُؤْمِنِهِمْ وكافِرِهِمْ لِيَعْلَمَ كُلٌّ حَظَّهُ مِن ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ بِلاغٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هَذا بَلاغٌ، عَلى طَرِيقَةِ العُنْوانِ والطّالِعِ نَحْوِ ما يُكْتَبُ في أعْلى الظَّهِيرِ ”ظَهِيرٌ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينَ“، أوْ ما يُكْتَبُ في أعْلى الصُّكُوكِ نَحْوِ ”إيداعُ وصِيَّةٍ“، أوْ ما يُكْتَبُ في التَّأْلِيفِ نَحْوِ ما في المُوَطَّأِ (وُقُوتُ الصَّلاةِ) . ومِنهُ ما يُكْتَبُ في أعالِي المَنشُوراتِ القَضائِيَّةِ والتِّجارِيَّةِ كَلِمَةُ ”إعْلانٌ“ .

وقَدْ يَظْهَرُ اسْمُ الإشارَةِ كَما في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿هَذا بَلاغٌ لِلنّاسِ﴾ [إبراهيم: ٥٢]، وقَوْلِ سِيبَوَيْهٍ هَذا بابُ عِلْمِ ما الكَلِمُ مِنَ العَرَبِيَّةِ، وقالَ - تَعالى - ﴿إنَّ في هَذا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٦] .

والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا عَلى طَرِيقَةِ الفَذْلَكَةِ والتَّحْصِيلِ مِثْلُ جُمْلَةِ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ.

* * *

صفحة ٦٩

﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إلّا القَوْمُ الفاسِقُونَ﴾ فَرْعٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿كَأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ﴾ إلى ”مِن نَهارٍ“، أيْ فَلا يُصِيبُ العَذابُ إلّا المُشْرِكِينَ أمْثالَهم.

والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في النَّفْيِ، ولِذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِثْناءُ مِنهُ كَقَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ومَن يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ إلّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠] .

ومَعْنى التَّفْرِيعِ أنَّهُ قَدِ اتَّضَحَ مِمّا سَمِعْتَ أنَّهُ لا يُهْلَكُ إلّا القَوْمُ الفاسِقُونَ، وذَلِكَ مِن قَوْلِهِ ﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩]، وقَوْلِهِ ﴿لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأحقاف: ١٢] إلى قَوْلِهِ ﴿ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ [الأحقاف: ١٣]، وقَوْلِهِ ﴿ولَقَدْ أهْلَكْنا ما حَوْلَكم مِنَ القُرى﴾ [الأحقاف: ٢٧] الآيَةَ.

والإهْلاكُ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنَيَيْهِ الحَقِيقِيِّ والمَجازِيِّ، فَإنَّ ما حُكِيَ فِيما مَضى بَعْضُهُ إهْلاكٌ حَقِيقِيٌّ مِثْلُ ما في قِصَّةِ عادٍ، وما في قَوْلِهِ ﴿ولَقَدْ أهْلَكْنا ما حَوْلَكم مِنَ القُرى﴾ [الأحقاف: ٢٧]، وبَعْضُهُ مُجازِيٌّ وهو سُوءُ الحالِ، أيْ عَذابُ الآخِرَةِ: وذَلِكَ فِيما حُكِيَ مِن عَذابِ الفاسِقِينَ.

وتَعْرِيفُ القَوْمِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ، وهو مُفِيدٌ العُمُومَ، أيْ كُلُّ القَوْمِ الفاسِقِينَ فَيَعُمُّ مُشْرِكِي مَكَّةَ الَّذِينَ عَناهُمُ القُرْآنُ فَكانَ لِهَذا التَّفْرِيعِ مَعْنى التَّذْيِيلِ.

والتَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ في قَوْلِهِ ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ﴾ عَلى هَذا الوَجْهِ لِتَغْلِيبِ إهْلاكِ المُشْرِكِينَ الَّذِي لَمّا يَقَعْ عَلى إهْلاكِ الأُمَمِ الَّذِينَ قَبْلَهم.

ولَكَ أنْ تَجْعَلَ التَّعْرِيفَ تَعْرِيفَ العَهْدِ، أيِ القَوْمُ المُتَحَدَّثُ عَنْهم في قَوْلِهِ ﴿كَأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ﴾ الآيَةَ، فَيَكُونُ إظْهارًا في مَقامِ الإضْمارِ لِلْإيماءِ إلى سَبَبِ إهْلاكِهِمْ أنَّهُ الإشْراكُ.

والمُرادُ بِالفِسْقِ هُنا الفِسْقُ عَنِ الإيمانِ وهو فِسْقُ الإشْراكِ.

وأفادَ الِاسْتِثْناءُ أنَّ غَيْرَهم لا يَهْلِكُونَ هَذا الهَلاكَ، أوْ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ.

* * *

صفحة ٧٠

صفحة ٧١

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ مُحَمَّدٍ سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ في كُتُبِ السُّنَّةِ (سُورَةَ مُحَمَّدٍ) . وكَذَلِكَ تُرْجِمَتْ في صَحِيحِ البُخارِيِّ مِن رِوايَةِ أبِي ذَرٍّ عَنِ البُخارِيِّ، وكَذَلِكَ في التَّفاسِيرِ قالُوا: وتُسَمّى سُورَةَ القِتالِ.

ووَقَعَ في أكْثَرِ رِواياتِ صَحِيحِ البُخارِيِّ (سُورَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا) .

والأشْهُرُ الأوَّلُ، ووَجْهُهُ أنَّها ذُكِرَ فِيها اسْمُ النَّبِيءِ ﷺ في الآيَةِ الثّانِيَةِ مِنها فَعُرِفَتْ بِهِ قَبْلَ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ الَّتِي فِيها ﴿وما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ﴾ [آل عمران: ١٤٤] .

وأمّا تَسْمِيَتُها (سُورَةَ الأنْفالِ) فَلِأنَّها ذُكِرَتْ فِيها مَشْرُوعِيَّةُ القِتالِ، ولِأنَّها ذُكِرَ فِيها لَفْظُهُ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿وذُكِرَ فِيها القِتالُ﴾ [محمد: ٢٠]، مَعَ ما سَيَأْتِي أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ﴾ [محمد: ٢٠] إلى قَوْلِهِ ﴿وذُكِرَ فِيها القِتالُ﴾ [محمد: ٢٠] أنَّ المَعْنِيَّ بِها هَذِهِ السُّورَةُ فَتَكُونُ تَسْمِيَتُها سُورَةَ القِتالِ تَسْمِيَةً قُرْآنِيَّةً.

وهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِالِاتِّفاقِ حَكاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وصاحِبُ الإتْقانِ. وعَنِ النَّسَفِيِّ: أنَّها مَكِّيَّةٌ. وحَكى القُرْطُبِيُّ عَنِ الثَّعْلَبِيِّ وعَنِ الضَّحّاكِ وابْنِ جُبَيْرٍ: أنَّها مَكِّيَّةٌ. ولَعَلَّهُ وهْمٌ ناشِئٌ عَمّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ قَوْلَهُ - تَعالى - ﴿وكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ هي أشَدُّ قُوَّةً مِن قَرْيَتِكَ﴾ [محمد: ١٣] الآيَةَ نَزَلَتْ في طَرِيقِ مَكَّةَ قَبْلَ الوُصُولِ إلى حِراءٍ، أيْ في الهِجْرَةِ.

قِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ وقِيلَ نَزَلَتْ في غَزْوَةِ أُحُدٍ.

وعُدَّتِ السّادِسَةَ والتِسْعِينَ في عِدادِ نُزُولِ سُوَرِ القُرْآنِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الحَدِيدِ وقَبْلَ سُورَةِ الرَّعْدِ.

وآيُها عُدَّتْ في أكْثَرِ الأمْصارِ تِسْعًا وثَلاثِينَ، وعَدَّها أهْلُ البَصْرَةِ أرْبَعِينَ، وأهْلُ الكُوفَةِ تِسْعًا وثَلاثِينَ.

* * *

صفحة ٧٢

أغْراضُها

مُعْظَمُ ما في هَذِهِ السُّورَةِ التَّحْرِيضُ عَلى قِتالِ المُشْرِكِينَ، وتَرْغِيبُ المُسْلِمِينَ في ثَوابِ الجِهادِ.

افْتُتِحَتْ بِما يُثِيرُ حَنَقَ المُؤْمِنِينَ عَلى المُشْرِكِينَ لِأنَّهم كَفَرُوا بِاللَّهِ وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، أيْ دِينِهِ.

وأعْلَمَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ بِأنَّهُ لا يُسَدِّدُ المُشْرِكِينَ في أعْمالِهِمْ وأنَّهُ مُصْلِحُ المُؤْمِنِينَ فَكانَ ذَلِكَ كَفالَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ عَلى أعْدائِهِمْ.

وانْتُقِلَ مِن ذَلِكَ إلى الأمْرِ بِقِتالِهِمْ وعَدَمِ الإبْقاءِ عَلَيْهِمْ.

وفِيها وعْدُ المُجاهِدِينَ بِالجَنَّةِ، وأمْرُ المُسْلِمِينَ بِمُجاهِدَةِ الكُفّارِ وأنْ لا يَدْعُوهم إلى السَّلْمِ، وإنْذارُ المُشْرِكِينَ بِأنْ يُصِيبَهم ما أصابَ الأُمَمَ المُكَذِّبِينَ مِن قَبْلِهِمْ.

ووَصْفُ الجَنَّةِ ونَعِيمِها، ووَصْفُ جَهَنَّمَ وعَذابِها.

ووَصْفُ المُنافِقِينَ وحالِ انْدِهاشِهِمْ إذا نَزَلَتْ سُورَةٌ فِيها الحَضُّ عَلى القِتالِ، وقِلَّةِ تَدَبُّرِهِمُ القُرْآنَ ومُوالاتِهِمُ المُشْرِكِينَ.

وتَهْدِيدُ المُنافِقِينَ بِأنَّ اللَّهَ يُنْبِئُ رَسُولَهُ ﷺ بِسِيماهم وتَحْذِيرُ المُسْلِمِينَ مِن أنْ يَرُوجَ عَلَيْهِمْ نِفاقُ المُنافِقِينَ.

وخُتِمَتْ بِالإشارَةِ إلى وعْدِ المُسْلِمِينَ بِنَوالِ السُّلْطانِ، وحَذَّرَهم إنْ صارَ إلَيْهِمُ الأمْرُ مِنَ الفَسادِ والقَطِيعَةِ.