﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكم ويُثَبِّتْ أقْدامَكُمْ﴾ لَمّا ذَكَرَ أنَّهُ لَوْ شاءَ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنهم عُلِمَ مِنهُ أنَّ ما أمَرَ بِهِ المُسْلِمِينَ مِن قِتالِ الكُفّارِ إنَّما أرادَ مِنهُ نَصْرَ الدِّينِ بِخَضَدِ شَوْكَةِ أعْدائِهِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ النّاسَ عَنْهُ، أتْبَعَهُ بِالتَّرْغِيبِ في نَصْرِ اللَّهِ، والوَعْدِ بِتَكَفُّلِ اللَّهِ لَهم بِالنَّصْرِ إنْ نَصَرُوهُ، وبِأنَّهُ خاذِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِسَبَبِ كَراهِيَتِهِمْ ما شَرَعَهُ مِنَ الدِّينِ.

فالجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لَهاتِهِ المُناسِبَةِ. وافْتُتِحَ التَّرْغِيبُ بِنِدائِهِمْ بِصِلَةِ الإيمانِ اهْتِمامًا بِالكَلامِ وإيماءً إلى أنَّ الإيمانَ يَقْتَضِي مِنهم ذَلِكَ، والمَقْصُودُ تَحْرِيضِهِمْ عَلى الجِهادِ في المُسْتَقْبَلِ بَعْدَ أنِ اجْتَنَوْا فائِدَتَهُ مُشاهَدَةً يَوْمَ بَدْرٍ.

صفحة ٨٥

ومَعْنى نَصْرِهِمُ اللَّهَ: نَصْرُ دِينِهِ ورَسُولِهِ ﷺ لِأنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ النَّصْرِ في تَنْفِيذِ إرادَتِهِ كَما قالَ ﴿ولَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنهُمْ﴾ [محمد: ٤] .

ولا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ بَيْنَ تَنْصُرُوا واسْمِ الجَلالَةِ تَقْدِيرُهُ: دِينُ اللَّهِ، لِأنَّهُ يُقالُ: نَصَرَ فُلانٌ فُلانًا، إذا نَصَرَ ذَوِيهِ وهو غَيْرُ حاضِرٍ.

وجِيءَ في الشَّرْطِ بِحَرْفِ (إنْ) الَّذِي الأصْلُ فِيهِ عَدَمُ الجَزْمِ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ لِلْإشارَةِ إلى مَشَقَّةِ الشَّرْطِ وشِدَّتِهِ لِيُجْعَلَ المَطْلُوبُ بِهِ كالَّذِي يُشَكُّ في وفائِهِ بِهِ.

وتَثْبِيتُ الأقْدامِ: تَمْثِيلٌ لِلْيَقِينِ وعَدَمِ الوَهَنِ بِحالَةِ مَن ثَبَتَتْ قَدَمُهُ في الأرْضِ فَلَمْ يَزَلْ، فَإنَّ الزَّلَلَ وهَنٌ يُسْقِطُ صاحِبَهُ، ولِذَلِكَ يُمَثَّلُ الِانْهِزامُ والخَيْبَةُ والخَطَأُ بِزَلَلِ القَدَمِ قالَ تَعالى ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها﴾ [النحل: ٩٤] .