﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأصَمَّهم وأعْمى أبْصارَهُمْ﴾

الإشارَةُ إلى الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ عَلى أُسْلُوبِ قَوْلِهِ آنِفًا ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [محمد: ١٦] ولا يَصِحُّ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى ما يُؤْخَذُ مِن قَوْلِهِ ﴿أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ﴾ [محمد: ٢٢] لِأنَّ ذَلِكَ لا يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَةَ ولا أنْ مُرْتَكِبِيهِ بِمَنزِلَةِ

صفحة ١١٣

الصُّمِّ، عَلى أنَّ في صِيغَةِ المُضِيِّ في أفْعالِ: لَعَنَهم، وأصَمَّهم، وأعْمى، ما لا يُلاقِي قَوْلَهُ ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ [محمد: ٢٢] ولا ما في حَرْفِ (إنْ) مِن زَمانِ الِاسْتِقْبالِ.

واسْتُعِيرَ الصَّمَمُ لِعَدَمِ الِانْتِفاعِ بِالمَسْمُوعاتِ مِن آياتِ القُرْآنِ ومَواعِظِ النَّبِيءِ ﷺ، كَما اسْتُعِيرَ العَمى هُنا لِعَدَمِ الفَهْمِ عَلى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ لِأنَّ حالَ الأعْمى أنْ يَكُونَ مُضْطَرِبًا فِيما يُحِيطُ بِهِ لا يَدْرِي نافِعَهُ مِن ضارِّهِ إلّا بِمَعُونَةِ مَن يُرْشِدُهُ، وكَثُرَ أنْ يُقالَ: أعْمى اللَّهُ بَصَرَهُ، مُرادًا بِهِ أنَّهُ لَمْ يَهْدِهِ، وهَذِهِ هي النُّكْتَةُ في مَجِيءِ تَرْكِيبِ ﴿وأعْمى أبْصارَهُمْ﴾ مُخالِفًا لِتَرْكِيبِ فَأصَمَّهم إذْ لَمْ يَقُلْ: وأعْماهم.

وفِي الآيَةِ إشْعارٌ بِأنَّ الفَسادَ في الأرْضِ وقَطِيعَةَ الأرْحامِ مِن شِعارِ أهْلِ الكُفْرِ، فَهُما جُرْمانِ كَبِيرانِ يَجِبُ عَلى المُؤْمِنِينَ اجْتِنابُهُما.