Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فَهَلْ عَسِيتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ﴾
مُقْتَضى تَناسُقِ النَّظْمِ أنَّ هَذا مُفَرَّعٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿فَإذا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد: ٢١] لِأنَّهُ يُفْهَمُ مِنهُ أنَّهُ إذا عَزَمَ الأمْرُ تَوَلَّوْا عَنِ القِتالِ وانْكَشَفَ نِفاقُهم فَتَكُونُ إتْمامًا لِما في الآيَةِ السّابِقَةِ مِنَ الإنْباءِ بِما سَيَكُونُ مِنَ المُنافِقِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. وقَدْ قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: عَلامَ نَقْتُلُ أنْفُسَنا هاهُنا ؟ ورُبَّما قالَ في كَلامِهِ: وكَيْفَ نُقاتِلُ قُرَيْشًا وهم مِن قَوْمِنا، وكانَ لا يَرى عَلى أهْلِ يَثْرِبَ أنْ يُقاتِلُوا مَعَ النَّبِيءِ ﷺ ويَرى الِاقْتِصارَ عَلى أنَّهم آوَوْهُ. والخِطابُ مُوَجَّهٌ إلى الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ عَلى الِالتِفاتِ.
والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّكْذِيبِ لِما سَيَعْتَذِرُونَ بِهِ لِانْخِزالِهِمْ ولِذَلِكَ جِيءَ فِيهِ
صفحة ١١٢
بِـ (هَلْ) الدّالَّةِ عَلى التَّحْقِيقِ لِأنَّها في الِاسْتِفْهامِ بِمَنزِلَةِ (قَدْ) في الخَبَرِ، فالمَعْنى: أفَيَتَحَقَّقُ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنَّكم تُفْسِدُونَ في الأرْضِ وتُقَطِّعُونَ أرْحامَكم وأنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنَّكم تَوَلَّيْتُمْ إبْقاءً عَلى أنْفُسِكم وعَلى ذَوِي قَرابَةِ أنْسابِكم عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ ألّا تُقاتِلُوا قالُوا﴾ [البقرة: ٢٤٦] وهَذا تَوْبِيخٌ كَقَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ثُمَّ أنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أنْفُسَكم وتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنكم مِن دِيارِهِمْ﴾ [البقرة: ٨٥] . والمَعْنى: أنَّكم تَقَعُونَ فِيما زَعَمْتُمُ التَّفادِيَ مِنهُ وذَلِكَ بِتَأْيِيدِ الكُفْرِ وإحْداثِ العَداوَةِ بَيْنَكم وبَيْنَ قَوْمِكم مِنَ الأنْصارِ.فالتَّوَلِّي هُنا هو الرُّجُوعُ عَنِ الوِجْهَةِ الَّتِي خَرَجُوا لَها كَما في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتالُ تَوَلَّوْا إلّا قَلِيلًا مِنهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٦] وقَوْلِهِ ﴿أفَرَأيْتَ الَّذِي تَوَلّى﴾ [النجم: ٣٣] وقَوْلِهِ ﴿فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أتى﴾ [طه: ٦٠] . وبِمِثْلِهِ فَسَّرَ ابْنُ جُرَيْجٍ وقَتادَةُ عَلى تَفاوُتٍ بَيْنَ التَّفاسِيرِ. ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن حَمَلَ التَّوَلِّيَ عَلى أنَّهُ مُطاوِعُ وُلّاهُ إذا أعْطاهُ وِلايَةً، أيْ وِلايَةَ الحُكْمِ والإمارَةِ عَلى النّاسِ وبِهِ فَسَّرَ أبُو العالِيَةِ والكَلْبِيُّ وكَعْبُ الأحْبارِ. وهَذا بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ ومِنَ النَّظْمِ وفِيهِ تَفْكِيكٌ لِاتِّصالِ نَظْمِ الكَلامِ، وانْتِقالٌ بِدُونِ مُناسَبَةٍ، وتَجاوَزَ بَعْضُهم ذَلِكَ فَأخَذَ يَدَّعِي أنَّها نَزَلَتْ في الحَرُورِيَةِ ومِنهم مَن جَعَلَها فِيما يَحْدُثُ بَيْنَ بَنِي أُمَيَّةَ وبَنِي هاشِمٍ عَلى عادَةِ أهْلِ الشِّيَعِ والأهْواءِ مِن تَحْمِيلِ كِتابِ اللَّهِ ما لا يَتَحَمَّلُهُ ومِن قَصْرِ عُمُوماتِهِ عَلى بَعْضِ ما يُرادُ مِنها.
وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ ”عَسِيتُمْ“ بِكَسْرِ السِّينِ. وقَرَأهُ بَقِيَّةُ العَشَرَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وهُما لُغَتانِ في فِعْلِ عَسى إذا اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرٌ. قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: وجْهُ الكَسْرِ أنَّ فِعْلَهُ: عَسِيَ مِثْلُ رَضِيَ، ولَمْ يَنْطِقُوا بِهِ إلّا إذا أُسْنِدَ هَذا الفِعْلُ إلى ضَمِيرٍ، وإسْنادُهُ إلى الضَّمِيرِ لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ، أمّا بَنُو تَمِيمٍ فَلا يُسْنِدُونَهُ إلى الضَّمِيرِ البَتَّةَ، يَقُولُونَ: عَسى أنْ تَفْعَلُوا.