Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ ولَكِنْ كانَ في ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾
حِكايَةُ قَوْلِ القَرِينِ بِالأُسْلُوبِ المُتَّبَعِ في حِكايَةِ المُقاوَلاتِ في القُرْآنِ وهو أُسْلُوبُ الفَصْلِ دُونَ عَطْفِ فِعْلِ القَوْلِ عَلى شَيْءٍ، وهو الأُسْلُوبُ الَّذِي ذَكَرْناهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالُوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] الآيَةُ في سُورَةِ البَقَرَةِ، تُشْعِرُ بِأنَّ في المَقامِ كَلامًا مَطْوِيًّا هو كَلامُ صاحِبِ القَرِينِ طُوِيَ لِلْإيجازِ، ودَلِيلُهُ ما تَضَمَّنَهُ قَوْلُ القَرِينِ مِن نَفْيِ أنْ يَكُونَ هو أطْغى صاحِبَهُ إذْ قالَ ﴿رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ ولَكِنْ كانَ في ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ . وقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ في سُورَةِ ص صَرِيحًا بِقَوْلِهِ ﴿هَذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكم لا مَرْحَبًا بِهِمْ إنَّهم صالُو النّارِ﴾ [ص: ٥٩] ﴿قالُوا بَلْ أنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكم أنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ القَرارُ﴾ [ص: ٦٠] ﴿قالُوا رَبَّنا مَن قَدَّمَ لَنا هَذا فَزِدْهُ عَذابًا ضِعْفًا في النّارِ﴾ [ص: ٦١] . وتَقْدِيرُ المَطْوِيِّ هُنا: أنِ الكافِرَ العَنِيدَ لَمّا قَدِمَ إلى النّارِ أرادَ التَّنَصُّلَ مِن كُفْرِهِ وعِنادِهِ وألْقى تَبِعَتَهُ عَلى قَرِينِهِ الَّذِي كانَ يُزَيِّنُ لَهُ الكُفْرَ فَقالَ: هَذا القَرِينُ أطْغانِي، فَقالَ قَرِينُهُ ﴿رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ ولَكِنْ كانَ في ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ .
فالقَرِينُ هَذا هو القَرِينُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في قَوْلِهِ: ﴿وقالَ قَرِينُهُ هَذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ [ق: ٢٣] .
صفحة ٣١٤
والطُّغْيانُ: تَجاوُزُ الحَدِّ في التَّعاظُمِ والظُّلْمِ والكُفْرِ، وفِعْلُهُ يائِيٌّ وواوِيٌّ، يُقالُ: طَغِيَ يَطْغى كَرَضِيَ، وطَغا يَطْغُو كَدَعا.فَمَعْنى ”ما أطْغَيْتُهُ“ ما جَعَلْتُهُ طاغِيًا، أيْ ما أمَرْتُهُ بِالطُّغْيانِ ولا زَيَّنْتُهُ لَهُ. والِاسْتِدْراكُ ناشِئٌ عَنْ شِدَّةِ المُقارَنَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَرِينِهِ لا سِيَّما إذا كانَ المُرادُ بِالقَرِينِ شَيْطانَهُ المُقَيَّضَ لَهُ فَإنَّهُ قُرِنَ بِهِ مِن وقْتِ إدْراكِهِ، فالِاسْتِدْراكُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أنَّ المُقارَنَةَ بَيْنَهُما تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ ما بِهِ مِنَ الطُّغْيانِ بِتَلْقِينِ القَرِينِ فَهو يَنْفِي ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، ولِذَلِكَ أتْبَعَ الِاسْتِدْراكَ بِجُمْلَةِ ﴿كانَ في ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ فَأخْبَرَ القَرِينُ بِأنَّ صاحِبَهُ ضالٌّ مِن قَبْلُ فَلَمْ يَكُنِ اقْتِرانُهُ مَعَهُ في التَّقْيِيضِ أوْ في الصُّحْبَةِ بِزائِدِ إيّاهُ إضْلالًا، وهَذا نَظِيرُ ما حَكاهُ اللَّهُ عَنِ الفَرِيقَيْنِ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ تَبَرَّأ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [البقرة: ١٦٦] . وفِعْلُ (كانَ) لِإفادَةِ أنَّ الضَّلالَ ثابِتٌ لَهُ بِالأصالَةِ مُلازِمٌ لِتَكْوِينِهِ.
والبَعِيدُ: مُسْتَعارٌ لِلْبالِغِ في قُوَّةِ النَّوْعِ حَدًّا لا يَبْلُغُ إلَيْهِ إدْراكُ العاقِلِ بِسُهُولَةٍ كَما لا يَبْلُغُ سَيْرُ السّائِرِ إلى المَكانِ البَعِيدِ إلّا بِمَشَقَّةٍ، أوْ بَعِيدُ الزَّمانِ، أيْ قَدِيمٌ أصِيلٌ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِمُفادِ فِعْلِ (كانَ)، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١١٦] في سُورَةِ النِّساءِ.
والمَعْنى: أنَّ تَمَكُّنَ الضَّلالِ مِنهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بِتابِعٍ لِما يُمْلِيهِ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِأنَّ شَأْنَ التّابِعِ في شَيْءٍ أنْ لا يَكُونَ مَكِينًا فِيهِ مِثْلَ عِلْمِ المُقَلَّدِ وعِلْمِ النُّظّارِ.