Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكم بِالوَعِيدِ﴾ ﴿ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وما أنا بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾
هَذا حِكايَةُ كَلامٍ يَصْدُرُ يَوْمَئِذٍ مِن جانِبِ اللَّهِ تَعالى لِلْفَرِيقَيْنِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا والَّذِينَ اتُّبِعُوا، فالضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى غَيْرِ مَذْكُورٍ في الكَلامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ﴾ [ق: ٢٢] .
وعَدَمُ عَطْفِ فِعْلِ قالَ عَلى ما قَبْلَهُ لِوُقُوعِهِ في مَعْرِضِ المُقاوَلَةِ، والتَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الماضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ فَقَدْ صارَتِ المُقاوَلَةُ بَيْنَ ثَلاثِ جَوانِبَ.
صفحة ٣١٥
والِاخْتِصامُ: المُخاصَمَةُ وهو مَصْدَرٌ بِصِيغَةِ الِافْتِعالِ الَّتِي الأصْلُ فِيها أنَّها لِمُطاوَعَةِ بَعْضِ الأفْعالِ فاسْتُعْمِلَتْ لِلتَّفاعُلِ مَثَلَ: اجْتَوَرُوا واعْتَوَرُوا واخْتَصَمُوا.والنَّهْيُ عَنِ المُخاصَمَةِ بَيْنَهم يَقْتَضِي أنَّ النُّفُوسَ الكافِرَةَ ادَّعَتْ أنَّ قُرَناءَها أطْغَوْها، وأنَّ القُرَناءَ تَنَصَّلُوا مِن ذَلِكَ وأنَّ النُّفُوسَ أعادَتْ رَمْيَ قُرَنائِها بِذَلِكَ فَصارَ خِصامًا فَلِذَلِكَ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ وطُوِيَ ذِكْرُهُ لِدَلالَةِ ”لا تَخْتَصِمُوا“ عَلَيْهِ إيثارًا لِحَقِّ الإيجازِ في الكَلامِ.
والنَّهْيُ عَنِ الِاخْتِصامِ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِتَأْوِيلِ النَّهْيِ عَنِ الدَّوامِ عَلَيْهِ، أيْ كَفُّوا عَنِ الخِصامِ.
ومَعْنى النَّهْيُ أنَّ الخِصامَ في ذَلِكَ لا جَدْوى لَهُ لِأنَّ اسْتِواءَ الفَرِيقَيْنِ في الكُفْرِ كافٍ في مُؤاخَذَةِ كِلَيْهِما عَلى السَّواءِ كَما قالَ تَعالى: ﴿قالَتْ أُخْراهم لِأُولاهم رَبَّنا هَؤُلاءِ أضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولَكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٨]، وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ أنَّ حُكْمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدْ تَقَرَّرَ فَلا يُفِيدُهُمُ التَّخاصُمُ لِإلْقاءِ التَّبِعَةِ عَلى أحَدِ الفَرِيقَيْنِ.
ووَجْهُ اسْتِوائِهِما في العَذابِ أنَّ الدّاعِيَ إلى إضْلالِهِ قائِمٌ بِما اشْتَهَتْهُ نَفْسُهُ مِن تَرْوِيجِ الباطِلِ دُونَ نَظَرٍ في الدَّلائِلِ الوِزاعَةِ عَنْهُ وأنَّ مُتَلَقِّيَ الباطِلِ مِمَّنْ دَعاهُ إلَيْهِ قائِمٌ بِما اشْتَهَتْهُ نَفْسُهُ مِنَ الطّاعَةِ لِأئِمَّةِ الضَّلالِ فاسْتَوَيا في الدّاعِي وتَرَتُّبِ أثَرِهِ.
والواوُ في ”وقَدْ قَدَّمْتُ“ واوُ الحالِ.
والجُمْلَةُ حالٌ مِن ضَمِيرِ ”تَخْتَصِمُوا“ وهي حالٌ مُعَلِّلَةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصامِ.
والمَعْنى: لا تَطْمَعُوا في أنَّ تَدافُعَكم في إلْقاءِ التَّبِعَةِ يُنْجِيكم مِنَ العِقابِ بَعْدَ حالِ إنْذارِكم بِالوَعِيدِ مِن وقْتِ حَياتِكم فَما اكْتَرَثْتُمْ بِالوَعِيدِ فَلا تَلُومُوا إلّا أنْفُسَكم لِأنَّ مَن أنْذَرَ فَقَدْ أعْذَرَ.
فَقَوْلُهُ ﴿وقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكم بِالوَعِيدِ﴾ كِنايَةٌ عَنْ عَدَمِ الِانْتِفاعِ بِالخِصامِ كَوْنَ العِقابِ عَدْلًا مِنَ اللَّهِ.
والباءُ في بِالوَعِيدِ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] .
والمَعْنى: وقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكُمُ الوَعِيدَ قَبْلَ اليَوْمِ.
صفحة ٣١٦
والتَّقْدِيمُ: جَعْلُ الشَّيْءِ قُدّامَ غَيْرِهِ.والمُرادُ بِهِ هُنا: كَوْنُهُ سابِقًا عَلى المُؤاخَذَةِ بِالشِّرْكِ لِأنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَهم بِواسِطَةِ الرَّسُولِ ﷺ .
فالمَعْنى الأوَّلُ المُكَنّى عَنْهُ بُيِّنَ بِجُمْلَةِ ﴿ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ﴾، أيْ لَسْتُ مُبْطِلًا ذَلِكَ الوَعِيدَ، وهو القَوْلُ، إذِ الوَعِيدُ مِن نَوْعِ القَوْلِ، والتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، أيْ فَما أوْعَدْتُكم واقِعٌ لا مَحالَةَ لِأنَّ اللَّهَ تَعَهَّدَ أنْ لا يَغْفِرَ لِمَن يُشْرِكُ بِهِ ويَمُوتُ عَلى ذَلِكَ.
والمَعْنى الثّانِي المُكَنّى عَنْهُ بُيِّنَ بِجُمْلَةِ ﴿وما أنا بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، أيْ فَلِذَلِكَ قَدَّمْتُ إلَيْكُمُ الوَعِيدَ.
والمُبالَغَةُ الَّتِي في وصْفِ ظَلّامٍ راجِعَةٌ إلى تَأْكِيدِ النَّفْيِ. والمُرادُ: لا أظْلِمُ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ، ولَيْسَ المَعْنى: ما أنا بِشَدِيدِ الظُّلْمِ كَما قَدْ يُسْتَفادُ مِن تَوَجُّهِ النَّفْيِ إلى المُقَيَّدِ يُفِيدُ أنْ يَتَوَجَّهَ إلى القَيْدِ لِأنَّ ذَلِكَ أغْلَبِيٌّ. والأكْثَرُ في نَفْيِ أمْثِلَةِ المُبالَغَةِ أنْ يُقْصَدَ بِالمُبالَغَةِ مُبالَغَةُ النَّفْيِ، قالَ طَرَفَةُ:
ولَسْتُ بِحَلّالِ التِّلاعِ مَخافَةً ولَكِنْ مَتى يَسْتَرْفِدِ القَوْمُ أرْفِدِ
فَإنَّهُ لا يُرِيدُ نَفْيَ كَثْرَةِ حُلُولِهِ التِّلاعَ وإنَّما أرادَ كَثْرَةَ النَّفْيِ.وذَكَرَ الشَّيْخُ في دَلائِلِ الإعْجازِ تَوَجُّهَ نَفْيِ الشَّيْءِ المُقَيَّدِ إلى خُصُوصِ القَيْدِ كَتَوَجُّهِ الإثْباتِ سَواءً، ولَكِنَّ كَلامَ التَّفْتَزانِيِّ في كِتابِ المَقاصِدِ في أُصُولِ الدِّينِ في مَبْحَثِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعالى أشارَ إلى اسْتِعْمالَيْنِ في ذَلِكَ، فالأكْثَرُ أنَّ النَّفْيَ يَتَوَجَّهُ إلى القَيْدِ فَيَكُونُ المَنفِيُّ القَيْدَ، وقَدْ يُعْتَبَرُ القَيْدُ قَيْدًا لِلنَّفْيِ وهَذا هو التَّحْقِيقُ.
عَلى أنِّي أرى أنَّ عَدَّ مِثْلِ صِيغَةِ المُبالَغَةِ في عِدادِ القُيُودِ مَحَلَّ نَظَرٍ فَإنَّ المُعْتَبَرَ مِنَ القُيُودِ هو ما كانَ لَفْظًا زائِدًا عَلى اللَّفْظِ المَنفِيِّ مِن صِفَةٍ أوْ حالٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، ألا تَرى أنَّهُ لا يَحْسُنُ أنْ يُقالَ: لَسْتُ ظَلّامًا، ولَكِنْ أظْلِمُ، ويَحْسُنُ أنْ يُقالَ لا آتِيكَ مُحارِبًا ولَكِنْ مُسالِمًا.
وقَدْ أشارَ في الكَشّافِ إلى أنَّ إيثارَ وصْفِ ظَلّامٍ هُنا إيماءٌ إلى أنَّ المَنفِيَّ
صفحة ٣١٧
لَوْ كانَ غَيْرَ مَنفِيٍّ لَكانَ ظُلْمًا شَدِيدًا فَيُفْهَمُ مِنهُ أنَّهُ لَوْ أُخِذَ الجانِي قَبْلَ أنْ يَعْرِفَ أنَّ عَمَلَهُ جِنايَةٌ لَكانَتْ مُؤاخَذَتُهُ بِها ظُلْمًا شَدِيدًا. ولَعَلَّ صاحِبَ الكَشّافِ يَرْمِي إلى مَذْهَبِهِ مِنِ اسْتِواءِ السَّيِّئاتِ، والتَّعْبِيرُ بِالعَبِيدِ دُونَ التَّعْبِيرِ بِالنّاسِ ونَحْوِهِ لِزِيادَةِ تَقْرِيرِ مَعْنى الظُّلْمِ في نُفُوسِ الأُمَّةِ، أيْ لا أظْلِمُ ولَوْ كانَ المَظْلُومُ عَبْدِي فَإذا كانَ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ العِبادَ قَدْ جَعَلَ مُؤاخَذَةَ مَن لَمْ يَسْبِقْ لَهُ تَشْرِيعٌ ظُلْمًا فَما بالَكَ بِمُؤاخَذَةِ النّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالتَّبِعاتِ دُونَ تَقَدُّمٍ إلَيْهِمْ بِالنَّهْيِ مِن قَبْلُ، ولِذَلِكَ يُقالُ: لا عُقُوبَةَ إلّا عَلى عَمَلٍ فِيهِ قانُونٌ سابِقٌ قَبْلَ فِعْلِهِ.