Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى ما تَقَدَّمَ كُلُّهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ﴾ [ق: ٢] الآياتِ، ومُناسَبَةُ وقْعِهِ هَذا المَوْقِعَ ما تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: ﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ﴾ [ق: ٣٦] الآيَةَ مِنَ التَّعْرِيضِ بِتَسْلِيَةِ النَّبِيءِ ﷺ، أيْ فاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُ المُشْرِكُونَ مِنَ التَّكْذِيبِ بِما أخْبَرْتَهم مِنَ البَعْثِ وبِالرِّسالَةِ وقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ المَوْصُولُ وهو ”ما يَقُولُونَ“ .
وضَمِيرُ ”يَقُولُونَ“ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمُ المَقْصُودُ مِن هَذِهِ المَواعِظِ والنُّذُرِ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ: ﴿بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾ [ق: ٢] .
* * *
﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوبِ﴾ ﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وأدْبارَ السُّجُودِ﴾عَطْفٌ عَلى ﴿فاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ فَهو مِن تَمامِ التَّفْرِيعِ، أيِ اصْبِرْ عَلى أقْوالِ أذاهم وسُخْرِيَتِهِمْ. ولَعَلَّ وجْهَ هَذا العَطْفِ أنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِالنَّبِيءِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ إذا قامُوا إلى الصَّلاةِ مِثْلَ قِصَّةِ إلْقاءِ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ سَلا الجَزُورِ عَلى ظَهْرِ النَّبِيءِ ﷺ حِينَ سَجَدَ في المَسْجِدِ الحَرامِ في حِجْرِ الكَعْبَةِ فَأقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ في عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ حَتّى أخَذَ بِمَنكِبِهِ ودَفَعَهُ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ وقالَ: أتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ الآيَةَ. وقالَ تَعالى: ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ٩] إلى قَوْلِهِ: ﴿كَلّا لا تُطِعْهُ واسْجُدْ واقْتَرِبْ﴾ [العلق: ١٩] .
فالمُرادُ بِالتَّسْبِيحِ: الصَّلاةُ وهو مِن أسْماءِ الصَّلاةِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أجْمَعَ
صفحة ٣٢٧
المُتَأوِّلُونَ عَلى أنَّ التَّسْبِيحَ هُنا الصَّلاةُ. قُلْتُ: ولِذَلِكَ صارَ فِعْلُ التَّسْبِيحِ مُنَزَّلًا مَنزِلَةَ اللّازِمِ لِأنَّهُ في مَعْنى: صَلِّ.والباءُ في ”بِحَمْدِ رَبِّكَ“ يُرَجِّحُ كَوْنَ المُرادِ بِالتَّسْبِيحِ الصَّلاةَ لِأنَّ الصَّلاةَ تُقْرَأُ في كُلِّ رَكْعَةِ مِنها الفاتِحَةُ وهي حَمْدٌ لِلَّهِ تَعالى، فالباءُ لِلْمُلابَسَةِ.
واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في المُرادِ بِالصَّلاةِ مِن قَوْلِهِ: وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوبِ ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وإدْبارَ السُّجُودِ فَفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: كُنّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيءِ ﷺ إذْ نَظَرَ إلى القَمَرِ فَقالَ: ”إنَّكم سَتَرَوْنَ رَبَّكم كَما تَرَوْنَ هَذا القَمَرَ لا تُضامُونَ في رُؤْيَتِهِ فَإنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا عَنْ صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها“ يَعْنِي بِذَلِكَ العَصْرَ والفَجْرَ. ثُمَّ قَرَأ جَرِيرٌ ”وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها“» كَذا. والقِراءَةُ ”الغُرُوبُ“ .
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: قَبْلَ الغُرُوبِ: الظُّهْرُ والعَصْرُ. وعَنْ قَتادَةَ: العَصْرُ.
وقَوْلُهُ ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ الجُمْهُورُ عَلى أنَّ التَّسْبِيحَ فِيهِ هو الصَّلاةُ، وعَنْ أبِي الأحْوَصِ أنَّهُ قَوْلُ سُبْحانَ اللَّهِ فَعَلى أنَّ التَّسْبِيحَ الصَّلاةُ قالَ ابْنُ زَيْدٍ: صَلاةُ المَغْرِبِ وصَلاةُ العِشاءِ.
وقَبْلَ الغُرُوبِ ظَرْفٌ واسِعٌ يَبْتَدِئُ مِن زَوالِ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّماءِ لِأنَّها حِينَ تَزُولُ عَنْ كَبِدِ السَّماءِ قَدْ مالَتْ إلى الغُرُوبِ ويَنْتَهِي بِغُرُوبِها، وشَمِلَ ذَلِكَ وقْتَ صَلاةِ الظُّهْرِ والعَصْرِ، وذَلِكَ مَعْلُومٌ لِلنَّبِيءِ ﷺ وتَسْبِيحُ اللَّيْلِ بِصَلاتَيِ المَغْرِبِ والعَشاءِ لِأنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ مَبْدَأُ اللَّيْلِ، فَإنَّهم كانُوا يُؤَرِّخُونَ بِاللَّيالِي ويَبْتَدِئُونَ الشَّهْرَ بِاللَّيْلَةِ الأوْلى الَّتِي بَعْدَ طُلُوعِ الهِلالِ الجَدِيدِ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وقِيلَ هَذِهِ المَذْكُوراتُ كُلُّها نَوافِلُ، فالَّذِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ رَكْعَتا الفَجْرِ، والَّذِي قَبْلَ الغُرُوبِ رَكْعَتانِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قالَهُ أبُو بَرْزَةَ وأنَسُ بْنُ مالِكٍ، والَّذِي مِنَ اللَّيْلِ قِيامُ اللَّيْلِ قالَهُ مُجاهِدٌ.
ويَأْتِي عَلى هَذا الوَجْهِ الِاخْتِلافُ في مَحْمَلِ الأمْرِ عَلى النَّدْبِ إنْ كانا عامًّا أوْ
صفحة ٣٢٨
عَلى الوُجُوبِ إنْ كانا خاصًّا بِالنَّبِيءِ ﷺ كَما سَيَأْتِي في سُورَةِ المُزَّمِّلِ.وقَرِيبٌ مِن هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ولا تُطِعْ مِنهم آثِمًا أوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: ٢٤] ﴿واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وأصِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٥] ﴿ومِنَ اللَّيْلِ فاسْجُدْ لَهُ وسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٦] في سُورَةِ الإنْسانِ.
وقَرِيبٌ مِنها أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإنَّكَ بِأعْيُنِنا وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] ﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وإدْبارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] في سُورَةِ الطُّورِ.
وأمّا قَوْلُهُ ”﴿وإدْبارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩]“ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ .
والإدْبارُ: بِكَسْرِ الهَمْزَةِ حَقِيقَتُهُ: الِانْصِرافُ لِأنَّ المُنْصَرِفَ يَسْتَدْبِرُ مَن كانَ مَعَهُ، واسْتُعِيرَ هُنا لِلِانْقِضاءِ، أيِ انْقِضاءِ السُّجُودِ، والسُّجُودُ: الصَّلاةُ، قالَ تَعالى: ﴿واسْجُدْ واقْتَرِبْ﴾ [العلق: ١٩] . وانْتِصابُهُ عَلى النِّيابَةِ عَنِ الظَّرْفِ لِأنَّ المُرادَ: وقْتُ إدْبارِ السُّجُودِ.
وقَرَأهُ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو جَعْفَرٍ وحَمْزَةُ وخَلَفٌ بِكَسْرِ هَمْزَةِ إدْبارِ. وقَرَأهُ الباقُونَ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّهُ جَمْعُ: دُبُرٍ، بِمَعْنى العَقِبِ والآخِرِ، وعَلى كِلْتا القِراءَتَيْنِ هو وقْتُ انْتِهاءِ السُّجُودِ.
فَفُسِّرَ السُّجُودُ بِالحَمْلِ عَلى الجِنْسِ، أيْ بَعْدِ الصَّلَواتِ قالَ ابْنُ زَيْدٍ، فَهو أمْرٌ بِالرَّواتِبِ الَّتِي بَعْدَ الصَّلَواتِ. وهو عامٌ خَصَّصَتْهُ السُّنَّةُ بِأوْقاتِ النَّوافِلِ، ومُجْمَلٌ بَيَّنَتِ السَّنَةُ مَقادِيرَهُ، وبَيَّنَتْ أنَّ الأمْرَ فِيهِ أمْرُ نَدْبٍ وتَرْغِيبٍ لا أمْرُ إيجابٍ.
وعَنِ المَهْدَوِيِّ أنَّهُ كانَ فَرْضًا فَنُسِخَ بِالفَرائِضِ.
وحُمِلَ عَلى العَهْدِ فَقالَ جَمْعٌ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ هو صَلاةُ المَغْرِبِ، أيِ الرَّكْعَتانِ بَعْدَها. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ الوِتْرُ.
والفاءُ في قَوْلِهِ: ”فَسَبِّحْهُ“ لِلتَّفْرِيعِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ عَلى أنْ يَكُونَ الوَقْتُ عَلى قَوْلِهِ: ”ومِنَ اللَّيْلِ“ تَأْكِيدًا لِلْأمْرِ لِإفادَةِ الوُجُوبِ فَيُجْعَلُ التَّفْرِيعُ اعْتِراضًا بَيْنَ الظُّرُوفِ المُتَعاطِفَةِ وهو كالتَّفْرِيعِ الَّذِي في قَوْلِهِ آنِفًا ﴿فَنَقَّبُوا في البِلادِ﴾ [ق: ٣٦] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكم فَذُوقُوهُ وأنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النّارِ﴾ [الأنفال: ١٤] .