Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قُتِلَ الخَرّاصُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم في غَمْرَةٍ ساهُونَ﴾
دُعاءٌ بِالهَلاكِ عَلى أصْحابِ ذَلِكَ القَوْلِ المُخْتَلِفِ لِأنَّ المَقْصُودَ بِقَتْلِهِمْ أنَّ اللَّهَ يُهْلِكُهم، ولِذَلِكَ يَكْثُرُ أنْ يُقالَ: قاتَلَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أُجْرِيَ مَجْرى اللَّعْنِ والتَّحْقِيرِ والتَّعْجِيبِ مِن سُوءِ أحْوالِ المَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِمِثْلِ هَذا.
وجُمْلَةُ الدُّعاءِ لا تُعْطَفُ لِأنَّها شَدِيدَةُ الِاتِّصالِ بِما قَبْلَها مِما أوْجَبَ ذَلِكَ الوَصْفَ لِدُخُولِهِمْ في هَذا الدُّعاءِ، كَما كانَ تَعْقِيبُ الجُمَلِ الَّتِي قَبْلَها بِها إيماءً إلى أنَّ ما قَبْلَها سَبَبٌ لِلدُّعاءِ عَلَيْهِمْ، وهَذا مِن بَدِيعِ الإيجازِ.
والخَرْصُ: الظَّنُّ الَّذِي لا حُجَّةَ لِصاحِبِهِ عَلى ظَنِّهِ، فَهو مُعَرَّضٌ لِلْخَطَأِ في ظَنِّهِ، وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنِ الضَّلالِ عَمْدًا أوْ تَساهُلًا، فالخَرّاصُونَ هم أصْحابُ القَوْلِ المُخْتَلِفِ، فَأفادَ أنَّ قَوْلَهُمُ المُخْتَلِفَ ناشِئٌ عَنْ خَواطِرَ لا دَلِيلَ عَلَيْها. وقَدْ تَقَدَّمَ في الأنْعامِ ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وإنْ هم إلّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١١٦] فالمُرادُ هُنا الخَرْصُ بِالقَوْلِ في ذاتِ اللَّهِ وصِفاتِهِ.
واعْلَمْ أنَّ الخَرْصَ في أُصُولِ الِاعْتِقادِ مَذْمُومٌ لِأنَّها لا تُبْنى إلّا عَلى اليَقِينِ لِخَطَرِ أمْرِها وهو أصْلُ مَحَلِّ الذَّمِّ في هَذِهِ الآيَةِ.
صفحة ٣٤٤
وأمّا الخَرْصُ في المُعامَلاتِ بَيْنَ النّاسِ فَلا يُذَمُّ هَذا الذَّمَّ وبَعْضُهُ مَذْمُومٌ إذا أدّى إلى المُخاطَرَةِ والمُقامَرَةِ. وقَدْ أُذِنَ في بَعْضِ الخَرْصِ لِلْحاجَةِ. فَفي المُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وأبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ رَخَّصَ في بَيْعِ العَرايا بِخَرْصِها» يَعْنِي في بَيْعِ ثَمَرَةِ النَّخَلاتِ المُعْطاةِ عَلى وُجْهَةِ العَرِيَّةِ وهي هِبَةُ مالِكِ النَّخْلِ ثَمَرَ بَعْضِ نَخْلِهِ لِشَخْصٍ لِسَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإنَّ الأصْلَ أنْ يَقْبِضَ ثَمَرَتَها عِنْدَ جِذاذِ النَّخْلِ فَإذا بَدا لِصاحِبِ الحائِطِ شِراءُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ طِيبِها رُخِّصَ أنْ يَبِيعَها المُعْرى بِالفَتْحِ لِلْمُعْرِي بِالكَسْرِ إذا أرادَ المُعْرِي ذَلِكَ فَيَخْرُصُ ما تَحْمِلُهُ النَّخَلاتُ مِنَ الثَّمَرِ عَلى أنْ يُعْطِيَهُ عِنْدَ الجِذاذِ ما يُساوِي ذَلِكَ المَخْرُوصَ إذا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا وحُدِّدَ بِخَمْسَةِ أوْسُقٍ فَأقَلَّ لِيَدْفَعَ صاحِبُ النَّخْلِ عَنْ نَفْسِهِ تَطَرُّقَ غَيْرِهِ لِحائِطِهِ، وذَلِكَ لِأنَّ أصْلَها عَطِيَّةٌ فَلَمْ يَدْخُلْ إضْرارٌ عَلى المُعْرِي مِن ذَلِكَ.والغَمْرَةُ: المَرَّةُ مِنَ الغَمْرِ، وهو الإحاةُ ويُفَسِّرُها ما تُضافُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ المَوْتِ﴾ [الأنعام: ٩٣] فَإذا لَمْ تُقَيَّدْ بِإضافَةٍ فَإنَّ تَعْيِينَها بِحَسَبِ المَقامِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَذَرْهم في غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٤] في سُورَةِ المُؤْمِنِينَ. والمُرادُ: في شُغُلٍ، أيْ ما يَشْغَلُهم مِن مُعاداةِ الإسْلامِ شَغْلًا لا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهُ أنْ يَتَدَبَّرُوا في دَعْوَةِ النَّبِيءِ ﷺ .
والسَّهْوُ: الغَفْلَةُ. والمُرادُ أنَّهم مُعْرِضُونَ إعْراضًا كَإعْراضِ الغافِلِ وما هم بِغافِلِينَ فَإنَّ دَعْوَةَ القُرْآنِ تَقْرَعُ أسْماعَهَمْ كُلَّ حِينٍ واسْتِعْمالُ مادَّةِ السَّهْوِ فِيِ هَذا المَعْنى نَظِيرُ اسْتِعْمالِها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ [الماعون: ٥] .