Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وفي عادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ﴾ ﴿ما تَذَرُ مِن شَيْءٍ أتَتْ عَلَيْهِ إلّا جَعَلَتْهُ كالرَّمِيمِ﴾ .
نَظْمُ هَذِهِ الآيَةِ مِثْلُ نَظْمِ قَوْلِهِ ﴿وفِي مُوسى إذْ أرْسَلْناهُ إلى فِرْعَوْنَ﴾ [الذاريات: ٣٨] انْتَقَلَ إلى العِبْرَةِ بِأُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ العَرَبِيَّةِ وهم عادٌ، وهم أشْهَرُ العَرَبِ البائِدَةِ.
والرِّيحُ العَقِيمُ هي: الخَلِيَّةُ مِنَ المَنافِعِ الَّتِي تُرْجى لَها الرِّياحُ مِن إثارَةِ السَّحابِ وسَوْقِهِ، ومِن إلْقاحِ الأشْجارِ بِنَقْلِ غُبْرَةِ الذَّكَرِ مِن ثِمارٍ إلى الإناثِ مِن أشْجارِها، أيْ: الرِّيحُ الَّتِي لا نَفْعَ فِيها، أيْ: هي ضارَّةٌ. وهَذا الوَصْفُ لِما كانَ مُشْتَقًّا مِمّا هو مِن خَصائِصِ الإناثِ كانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ لِحاقِ هاءِ التَّأْنِيثِ؛ لِأنَّها يُؤْتى بِها لِلْفَرْقِ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ، والعَرَبُ يَكْرَهُونَ العُقْمَ في مَواشِيهِمْ، أيْ: رِيحٌ كالنّاقَةِ العَقِيمِ لا تُثْمِرُ نَسْلًا ولا دَرًّا، فَوَصْفُ الرِّيحِ بِالعَقِيمِ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ في الشُّؤْمِ، قالَ تَعالى ”﴿أوْ يَأْتِيَهم عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٥]“ .
وجُمْلَةُ ﴿ما تَذَرُ مِن شَيْءٍ أتَتْ عَلَيْهِ إلّا جَعَلَتْهُ كالرَّمِيمِ﴾ صِفَةٌ ثانِيَةٌ، أوْحالٌ، فَهو ارْتِقاءٌ في مَضَرَّةِ هَذا الرِّيحِ، فَإنَّهُ لا يَنْفَعُ، وأنَّهُ يَضُرُّ أضْرارًا عَظِيمَةً.
وصِيغَ ”تَذَرُ“: بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ الحالَةِ العَجِيبَةِ.
و”شَيْءٍ“ في مَعْنى المَفْعُولِ لِ ”تَذَرُ“ فَإنَّ (مِن) لِتَأكِيدِ النَّفْيِ، والنَّكِرَةُ المَجْرُورَةُ بِمِن هَذِهِ نَصٌّ في نَفْيِ الجِنْسِ ولِذَلِكَ كانَتْ عامَّةً، إلّا أنَّ هَذا العُمُومَ مُخَصَّصٌ بِدَلِيلِ العَقْلِ؛ لِأنَّ الرِّيحَ إنَّما تُبْلِي الأشْياءَ الَّتِي تَمُرُّ عَلَيْها إذا كانَ شَأْنُها أنْ يَتَطَرَّقَ إلَيْها البِلى، فَإنَّ الرِّيحَ لا تُبْلِي الجِبالَ ولا البِحارَ ولا الأوْدِيَةَ، وهي تَمُرُّ عَلَيْها وإنَّما تُبْلِي الدِّيارَ والأشْجارَ والنّاسَ والبَهائِمَ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأمْرِ رَبِّها﴾ [الأحقاف: ٢٥] .
صفحة ١٢
وجُمْلَةُ (جَعَلَتْهُ كالرَّمِيمِ) في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ الرِّيحِ مُسْتَثْناةٌ مِن عُمُومِ أحْوالِ (شَيْءٍ) يُبَيِّنُ المُعَرَّفَ، أيْ: ما تَذَرُ مِن شَيْءٍ أتَتْ عَلَيْهِ في حالٍ مِن أحْوالِ تَدْمِيرِها إلّا في حالٍ قَدْ جَعَلَتْهُ كالرَّمِيمِ.والرَّمِيمُ: العَظْمُ الَّذِي بُلِيَ. يُقالُ: رَمَّ العَظْمُ، إذا بَلِيَ، أيْ: جَعَلَتْهُ مُفَتَّتًا.
والمَعْنى: وفي عادٍ آيَةٌ لَلَّذِينَ يَخافُونَ العَذابَ الألِيمَ إذْ أرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ. والمُرادُ: أنَّ الآيَةَ كائِنَةٌ في أسْبابِ إرْسالِ الرِّيحِ عَلَيْهِمْ وهي أسْبابُ تَكْذِيبِهِمْ هُودًا وإشْراكِهِمْ بِاللَّهِ، وقالُوا: مَن أشَدُّ مِنّا قُوَّةً، فَيَحْذَرُ مِن مِثْلَ ما حَلَّ بِهِمْ أهْلُ الإيمانِ. وأمّا الَّذِينَ لا يَخافُونَ العَذابَ الألِيمَ مِن أهْلِ الشِّرْكِ فَهم مُصِرُّونَ عَلى كُفْرِهِمْ كَما أصَرَّتْ عادٌ؛ فَيُوشِكُ أنْ يَحُلَّ بِهِمْ مِن جَنْسِ ما حَلَّ بِعادٍ.