Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿والسَّماءَ بَنَيْناها بِأيْدٍ وإنّا لَمُوسِعُونَ﴾ .
لَمّا كانَتْ شُبْهَةُ نُفاةِ البَعْثِ قائِمَةً عَلى تَوَهُّمِ اسْتِحالَةِ إعادَةِ الأجْسامِ بَعْدَ فَنائِها أعْقَبَتْ تَهْدِيدَهم بِما يُقَوِّضُ تَوَهُّمَهم، فَوُجِّهَ إلَيْهِ الخِطابُ يُذَكِّرُهم بِأنَّ اللَّهَ خَلَقَ أعْظَمَ المَخْلُوقاتِ ولَمْ تَكُنْ شَيْئًا، فَلا تُعَدُّ إعادَةُ الأشْياءِ الفانِيَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْها إلّا شَيْئًا يَسِيرًا، كَما قالَ تَعالى ﴿لَخَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِن خَلْقِ النّاسِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: ٥٧] .
وهَذِهِ الجُمْلَةُ والجُمَلُ المَعْطُوفَةُ عَلَيْها إلى قَوْلِهِ ”إنِّي لَكم مِنهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ“ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ”﴿وقَوْمَ نُوحٍ مِن قَبْلُ﴾ [الذاريات: ٤٦]“ إلَخْ، وجُمْلَةِ ﴿كَذَلِكَ ما أتى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِن رَسُولٍ﴾ [الذاريات: ٥٢] الآيَةَ.
وابْتُدِئَ بِخَلْقِ السَّماءِ؛ لِأنَّ السَّماءَ أعْظَمُ مَخْلُوقٍ يُشاهِدُهُ النّاسُ، وعُطِفَ عَلَيْهِ خَلْقُ الأرْضِ عَطْفَ الشَّيْءِ عَلى مُخالِفِهِ لِاقْتِرانِ المُتَخالِفِينَ في الجامِعِ الخَيالِيِّ. وعُطِفَ عَلَيْها خَلْقُ أجْناسِ الحَيَوانِ لِأنَّها قَرِيبَةٌ لِلْأنْظارِ لا يُكَلِّفُ النَّظَرُ فِيها والتَّدَبُّرُ في أحْوالِها ما يُرْهِقُ الأذْهانَ.
واسْتُعِيرَ لِخَلْقِ السَّماءِ فِعْلُ البِناءِ؛ لِأنَّ مَنظَرَ السَّماءِ فِيما يَبْدُو لِلْأنْظارِ شَبِيهٌ بِالقُبَّةِ، ونَصْبُ القُبَّةِ يُدْعى بِناءً.
وهَذا اسْتِدْلالٌ بِأثَرِ الخَلْقِ الَّذِي عايَنُوا أثَرَهُ ولَمْ يَشْهَدُوا كَيْفِيَّتَهُ؛ لِأنَّ أثَرَهُ يُنْبِئُ عَنْ عَظِيمِ كَيْفِيَّتِهِ، وأنَّها أعْظَمُ مِمّا يُتَصَوَّرُ في كَيْفِيَّةِ إعادَةِ الأجْسامِ البالِيَةِ.
صفحة ١٦
والأيْدُ: القُوَّةُ. وأصْلُهُ جَمْعُ يَدٍ، ثُمَّ كَثُرَ إطْلاقُهُ حَتّى صارَ اسْمًا لِلْقُوَّةِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ”﴿واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذا الأيْدِ﴾ [ص: ١٧]“ في سُورَةِ ص.والمَعْنى: بَنَيْناها بِقُدْرَةٍ لا يَقْدِرُ أحَدٌ مِثْلَها.
وتَقْدِيمُ السَّماءِ عَلى عامِلِهِ لِلاهْتِمامِ بِهِ، ثُمَّ بِسُلُوكِ طَرِيقَةِ الِاشْتِغالِ زادَهُ تَقْوِيَةً لِيَتَعَلَّقَ المَفْعُولُ بِفِعْلِهِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِنَفْسِهِ، ومَرَّةً بِضَمِيرِهِ، فَإنَّ الِاشْتِغالَ في قُوَّةِ تَكَرُّرِ الجُمْلَةِ. وزِيدَ تَأْكِيدُهُ بِالتَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ ”﴿وإنّا لَمُوسِعُونَ﴾“ والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ.
والمُوسِعُ: اسْمُ فاعِلٍ مِن أوْسَعَ، إذا كانَ ذا وُسْعٍ، أيْ قُدْرَةٍ. وتَصارِيفُهُ جائِيَّةٌ مِنَ السَّعَةِ، وهي امْتِدادُ مِساحَةِ المَكانِ ضِدُّ الضِّيقِ، واسْتُعِيرَ مَعْناها لِلْوَفْرَةِ في أشْياءَ مِثْلَ الإفْرادِ مِثْلَ عُمُومِها في ﴿ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦]، ووَفْرَةُ المالِ مِثْلَ ”﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: ٧]، وقَوْلِهِ“ وعَلى المُوسِعِ قَدَرَهُ ”، وجاءَ في أسْمائِهِ تَعالى الواسِعُ ﴿إنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١١٥] . وهو عِنْدَ إجْرائِهِ عَلى الذّاتِ يُفِيدُ كَمالَ صِفاتِهِ الذّاتِيَّةِ: الوُجُودِ، والحَياةِ، والعِلْمِ، والقُدْرَةِ، والحِكْمَةِ، قالَ تَعالى“ ﴿إنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١١٥] ”ومِنهُ قَوْلُهُ هُنا“ ﴿وإنّا لَمُوسِعُونَ﴾ " .
وأكَّدَ الخَبَرَ بِحَرْفِ إنَّ لِتَنْزِيلَ المُخاطَبِينَ مَنزِلَةَ مَن يُنْكِرُ سَعَةَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى إذْ أحالُوا إعادَةَ المَخْلُوقاتِ بَعْدَ بِلاها.