﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الكَذّابُ الأشِرُ﴾ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ تَقْدِيرُهُ: قُلْنا لِنَذِيرِهِمُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ [القمر: ٢٣] فَإنَّ النُّذُرَ تَقْتَضِي نَذِيرًا بِها وهو المُناسِبُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ﴿فارْتَقِبْهم واصْطَبِرْ﴾ [القمر: ٢٧] وذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ قَوْلَهُ آنِفًا ﴿فَقالُوا أبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾ [القمر: ٢٤] كَلامٌ أجابُوا بِهِ نِذارَةَ صالِحٍ إيّاهُمُ المُقَدَّرَةَ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ [القمر: ٢٣]، وبِذَلِكَ انْتَظَمَ الكَلامُ أتَمَّ انْتِظامٍ.

وقَرَأ الجُمْهُورُ سَيَعْلَمُونَ بِياءِ الغَيْبَةِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ (سَتَعْلَمُونَ) بِتاءِ الخِطابِ وهي تَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ هَذا حِكايَةَ كَلامٍ مِنَ اللَّهِ لِصالِحٍ عَلى تَقْدِيرِ: قُلْنا لَهُ: قُلْ لَهم، فَفِيهِ حَذْفُ قَوْلٍ. ويُحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ خِطابًا مِنَ اللَّهِ لَهم بِتَقْدِيرِ: قُلْنا لَهم سَتَعْلَمُونَ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلى جَعْلِ الجُمْلَةِ مُعْتَرِضَةً.

والمُرادُ مِن قَوْلِهِ غَدًا الزَّمَنُ المُسْتَقْبَلُ القَرِيبُ كَقَوْلِهِمْ في المَثَلِ: إنَّ مَعَ اليَوْمِ غَدًا، أيْ إنَّ مَعَ الزَّمَنِ الحاضِرِ زَمَنًا مُسْتَقْبَلًا. يُقالُ في تَسْلِيَةِ النَّفْسِ مِن ظُلْمِ ظالِمٍ ونَحْوِهِ، وقالَ الطِّرِمّاحُ:

وقَبْلَ غَدٍ يا ويْحَ قَلْبِي مِن غَدٍ إذا راحَ أصْحابِي ولَسْتُ بِرائِحِ

يُرِيدُ يَوْمَ مَوْتِهِ. والمُرادُ بِهِ في الآيَةِ يَوْمُ نُزُولِ عَذابِهِمُ المُسْتَقْرَبِ.

وتَبْيِينُهُ في قَوْلِهِ ﴿إنّا مُرْسِلُو النّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ﴾ [القمر: ٢٧] إلَخْ، أيْ حِينَ يَرَوْنَ المُعْجِزَةَ

صفحة ١٩٩

وتَلُوحُ لَهم بَوارِقُ العَذابِ يَعْلَمُونَ أنَّهُمُ الكَذّابُونَ الأشِرُونَ لا صالِحَ. وعَلى الوَجْهِ الثّانِي في ضَمِيرِ (سَيَعْلَمُونَ) يَكُونُ الغَدُ مُرادًا بِهِ: يَوْمُ انْتِصارِ المُسْلِمِينَ في بَدْرٍ ويَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، أيْ سَيَعْلَمُونَ مِنَ الكَذّابُ المُماثِلُ لِلْكَذّابِ في قِصَّةِ ثَمُودَ.