﴿ولَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهم فَذُوقُوا عَذابِي ونُذُرِ﴾ إجْمالٌ لِما ذْكِرَ في غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ في قِصَّةٍ قَوْمِ لُوطٍ أنَّهُ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ فَرامَ قَوْمُهُ الفاحِشَةَ بِهِمْ وعَجَزَ لُوطٌ عَنْ دَفْعِ قَوْمِهِ إذِ اقْتَحَمُوا بَيْتَهُ وأنَّ اللَّهَ أعْمى أعْيُنَهم فَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يَدْخُلُونَ.

صفحة ٢٠٦

والمُراوَدَةُ: مُحاوَلَةُ رِضى الكارِهِ شَيْئًا بِقَبُولِ ما كَرِهَهُ، وهي مُفاعَلَةٌ مِن رادَ يَرُودُ رَوْدًا، إذا ذَهَبَ ورَجَعَ في أمْرٍ، مُثِّلَتْ هَيْئَةُ مَن يُكَرِّرُ المُراجَعَةَ والمُحاوَلَةَ بِهَيْئَةِ المُنْصَرِفِ ثُمَّ الرّاجِعِ. وضَمَّنَ راوَدُوهُ مَعْنى دَفَعُوهُ وصَرَفُوهُ فَعُدِّيَ بِ عَنْ.

وأسْنَدَ المُراوَدَةَ إلى ضَمِيرِ قَوْمِ لُوطٍ وإنْ كانَ المُراوِدُونَ نَفَرًا مِنهم لِأنَّ ما راوَدُوا عَلَيْهِ هو رادٌّ جَمِيعَ القَوْمِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَعْيِينِ مَن يَفْعَلُهُ.

ويَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ ﴿عَنْ ضَيْفِهِ﴾ بِفِعْلِ راوَدُوهُ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ عَنْ تَمْكِينِهِمْ مِن ضُيُوفِهِ.

وقَوْلُهُ ﴿فَذُوقُوا عَذابِي ونُذُرِ﴾ [القمر: ٣٩] مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ سِياقُ الكَلامِ لِلنَّفَرِ الَّذِينَ طَمَسْنا أعْيُنَهم ﴿فَذُوقُوا عَذابِي﴾ وهو العَمى، أيْ ألْقى اللَّهُ في نُفُوسِهِمْ أنَّ ذَلِكَ عِقابٌ لَهم.

واسْتَعْمَلَ الذَّوْقَ في الإحْساسِ بُالعَذابِ مَجازًا مُرْسَلًا بِعَلاقَةِ التَّقْيِيدِ في الإحْساسِ.

وعَطَفَ النُّذُرَ عَلى العَذابِ بِاعْتِبارِ أنَّ العَذابَ تَصْدِيقٌ لِلنُّذُرِ، أيْ ذُوقُوا مِصْداقَ نُذُرِي، وتَعْدِيَةُ فِعْلِ (ذُوقُوا) إلى (نُذُرِي) بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ وآثارَ نُذُرِي.

والقَوْلُ في تَأْكِيدِهِ بِلامِ القَسَمِ تَقَدَّمَ، وحُذِفَتْ ياءُ المُتَكَلِّمِ مِن قَوْلِهِ ونُذُرِ تَخْفِيفًا.