﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ .

خَبَرٌ ثانٍ، والمُرادُ بِالإنْسانِ جِنْسُ الإنْسانِ وهَذا تَمْهِيدٌ لِلْخَبَرِ الآتِي وهو ﴿عَلَّمَهُ البَيانَ﴾ [الرحمن: ٤] .

وهَذِهِ قَضِيَّةٌ لا يُنازِعُونَ فِيها ولَكِنَّهم لَمّا أعْرَضُوا عَنْ مُوجِبِها وهو إفْرادُ اللَّهِ تَعالى بِالعِبادَةِ، سِيقَ لَهُمُ الخَبَرُ بِها عَلى أُسْلُوبِ التَّعْدِيدِ بِدُونِ عَطْفٍ كالَّذِي يَعُدُّ لِلْمُخاطَبِ مَواقِعَ أخْطائِهِ وغَفْلَتِهِ، وهَذا تَبْكِيتٌ ثانٍ.

صفحة ٢٣٣

فَفِي خَلْقِ الإنْسانِ دَلالَتانِ: أُولاهُما: الدَّلالَةُ عَلى تَفَرُّدِ اللَّهِ تَعالى بِالإلَهِيَّةِ، وثانِيَتُهُما الدَّلالَةُ عَلى نِعْمَةِ اللَّهِ عَلى الإنْسانِ.

والخَلْقُ: نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لِأنَّ فِيها تَشْرِيفًا لِلْمَخْلُوقِ بِإخْراجِهِ مِن غَياهِبِ العَدَمِ إلى مَبْرَزِ الوُجُودِ في الأعْيانِ، وقَدَّمَ خَلْقَ الإنْسانِ عَلى خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ لِما عَلِمْتَ آنِفًا مِن مُناسَبَةِ إرْدافِهِ بِتَعْلِيمِ القُرْآنِ.

ومَجِيءُ المُسْنَدِ فَعُلًا بَعْدَ المُسْنَدِ إلَيْهِ يُفِيدُ تَقَوِّي الحُكْمِ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَهُ لِلتَّخْصِيصِ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنزِلَةَ مَن يُنْكِرُ أنَّ اللَّهَ خَلَقَ الإنْسانَ لِأنَّهم عَبَدُوا غَيْرَهُ.