Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدانِ﴾ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿الشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ﴾ [الرحمن: ٥] عَطَفَ الخَبَرَ عَلى الخَبَرِ لِلْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِأنَّ سُجُودَ الشَّمْسِ والقَمَرِ لِلَّهِ تَعالى وهو انْتِقالٌ مِنَ الاِمْتِنانِ بِما في السَّماءِ مِنَ المَنافِعِ إلى الاِمْتِنانِ بِما في الأرْضِ، وجَعَلَ لَفْظَ النَّجْمِ واسِطَةَ الاِنْتِقالِ لِصَلاحِيَّتِهِ لِأنَّهُ يُرادُ مِنهُ نُجُومُ السَّماءِ وما يُسَمّى نَجْمًا مِن نَباتِ الأرْضِ كَما يَأْتِي.
وعُطِفَتْ جُمْلَةُ ﴿والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدانِ﴾ ولَمْ تُفْصَلْ فَخَرَجَتْ مِن أُسْلُوبِ تَعْدادِ الأخْبارِ إلى أُسْلُوبِ عَطْفِ بَعْضِ الأخْبارِ عَلى بَعْضٍ لِأنَّ الأخْبارَ الوارِدَةَ بَعْدَ حُرُوفِ العَطْفِ لَمْ يُقْصَدْ بِها التَّعْدادُ إذْ لَيْسَ فِيها تَعْرِيضٌ بِتَوْبِيخِ المُشْرِكِينَ، فالإخْبارُ بِسُجُودِ النَّجْمِ والشَّجَرِ أُرِيدَ بِهِ الإيقاظُ إلى ما في هَذا مِنَ الدَّلالَةِ عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ دَلالَةٍ رَمْزِيَّةٍ، ولِأنَّهُ لَمّا اقْتَضى المَقامُ جَمْعَ النَّظائِرِ مِنَ المُزاوَجاتِ بَعْدَ
صفحة ٢٣٦
ذِكْرِ الشَّمْسِ والقَمَرِ كانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا سُلُوكَ طَرِيقَةِ الوَصْلِ بالعَطْفِ بِجامِعِ التَّضادِّ.وجُعِلَتِ الجُمْلَةُ مُفْتَتَحَةً بِالمُسْنَدِ إلَيْهِ لِتَكُونَ عَلى صُورَةِ فاتِحَةِ الجُمْلَةِ الَّتِي عُطِفَتْ عَلَيْها. وأُتِيَ بِالمُسْنَدِ فِعْلًا مُضارِعًا لِلدَّلالَةِ عَلى تَجَدُّدٍ هَذا السُّجُودِ وتَكَرُّرِهِ عَلى مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولِلَّهِ يَسْجُدُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وظِلالُهم بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ [الرعد: ١٥] .
والنَّجْمُ يُطْلَقُ: اسْمَ جَمْعٍ عَلى نُجُومِ السَّماءِ قالَ تَعالى ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ [النجم: ١] ويُطْلَقُ مُفْرَدًا فَيُجْمَعُ عَلى نُجُومٍ، قالَ تَعالى ﴿وإدْبارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] . وعَنْ مُجاهِدٍ تَفْسِيرُهُ هُنا بِنُجُومِ السَّماءِ.
ويُطْلَقُ النَّجْمُ عَلى النَّباتِ والحَشِيشِ الَّذِي لا سُوقَ لَهُ فَهو مُتَّصِلٌ بِالتُّرابِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ تَفْسِيرُ النَّجْمِ في هَذِهِ الآيَةِ بِالنَّباتِ الَّذِي لا ساقَ لَهُ. والشَّجَرُ: النَّباتُ الَّذِي لَهُ ساقٌ وارْتِفاعٌ عَنْ وجْهِ الأرْضِ. وهَذانَ يَنْتَفِعُ بِهِما الإنْسانُ والحَيَوانُ.
فَحَصَلَ مِن قَوْلِهِ ﴿والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدانِ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿الشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ﴾ [الرحمن: ٥] قَرِينَتانِ مُتَوازِيَتانِ في الحَرَكَةِ والسُّكُونِ وهَذا مِنَ المُحَسِّناتِ البَدِيعِيَّةِ الكامِلَةِ.
والسُّجُودُ: يُطْلَقُ عَلى وضْعِ الوَجْهِ عَلى الأرْضِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ، ويُطْلَقُ الوُقُوعُ عَلى الأرْضِ مَجازًا مُرْسَلًا بِعَلاقَةِ الإطْلاقِ، أوِ اسْتِعارَةً ومِنهُ قَوْلُهم نَخْلَةٌ ساجِدَةٌ إذا أمالَها حِمْلُها، فَسُجُودُ نُجُومِ السَّماءِ نُزُولُها إلى جِهاتِ غُرُوبِها، وسُجُودُ نَجْمِ الأرْضِ التِصاقُهُ بِالتُّرابِ كالسّاجِدِ، وسُجُودُ الشَّجَرِ تَطَأْطُؤُهُ بِهُبُوبِ الرِّياحِ ودُنُوُّ أغْصانِهِ لِلجّانِينَ لِثِمارِهِ والخابِطِينَ لِوَرَقِهِ، فَفِعْلُ يَسْجُدانِ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنَيَيْنِ مَجازِيَّيْنِ وهُما الدُّنُوُّ لِلْمُتَناوِلِ والدَّلالَةُ عَلى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعالى بِأنْ شَبَّهَ ارْتِسامَ ظِلالِهِما عَلى الأرْضِ بِالسُّجُودِ كَما قالَ تَعالى ﴿ولِلَّهِ يَسْجُدُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وظِلالُهم بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ [الرعد: ١٥] في سُورَةِ الرَّعْدِ، وكَما قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
صفحة ٢٣٧
يَكُبُّ عَلى الأذْقانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ
فَقالَ: عَلى الأذْقانِ، لِيَكُونَ الاِنْكِبابُ مُشَبَّهًا بِسُقُوطِ الإنْسانِ عَلى الأرْضِ بِوَجْهِهِ فَفِيهِ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ، وذِكْرُ الأذْقانِ تَخْيِيلٌ، وعَلَيْهِ يَكُونُ فِعْلُ يَسْجُدانِ هُنا مُسْتَعْمَلًا في مَجازِهِ، وذَلِكَ يُفِيدُ أنَّ اللَّهَ خَلَقَ في المَوْجُوداتِ دَلالاتٍ عِدَّةً عَلى أنَّ اللَّهَ مُوجِدُها ومُسَخِّرُها، فَفي جَمِيعِها دَلالاتٌ عَقْلِيَّةٌ، وفِيَ بَعْضِها أوْ مُعْظَمِها دَلالاتٌ أُخْرى رَمْزِيَّةٌ وخَيالِيَّةٌ لِتُفِيدَ مِنها العُقُولُ المُتَفاوِتَةُ في الاِسْتِدْلالِ.