﴿يُخْرَجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ .

حالٌ ثالِثَةٌ. ثُمَّ إنْ كانَ المُرادُ بِالبَحْرَيْنِ: بَحْرَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ مِنَ البِحارِ المِلْحَةِ تَكُونُ مِن في قَوْلِهِ مِنهُما ابْتِدائِيَّةً لِأنَّ اللُّؤْلُؤَ والمَرْجانَ يَكُونانِ في البَحْرِ المِلْحِ.

صفحة ٢٥٠

وإنْ كانَ المُرادُ بِالبَحْرَيْنِ: البَحْرُ المِلْحُ، والبَحْرُ العَذْبُ كانَتْ مِن في قَوْلِهِ مِنهُما لِلسَّبَبِيَّةِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى (فَمِن نَفْسِكَ) في سُورَةِ النِّساءِ، أيْ يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ بِسَبَبِهِما، أيْ بِسَبَبِ مَجْمُوعِهِما، أمّا اللُّؤْلُؤُ فَأجْوَدُهُ ما كانَ في مَصَبِّ الفُراتِ عَلى خَلِيجِ فارِسَ، قالَ الرُّمّانِيُّ: لَمّا كانَ الماءُ العَذْبُ كاللِّقاحِ لِلْماءِ المِلْحِ في إخْراجِ اللُّؤْلُؤِ، قِيلَ: يَخْرُجُ مِنهُما كَما يُقالُ: يَتَخَلَّقُ الوَلَدُ مِنَ الذَّكَرِ والأُنْثى، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ تَكَوُّنِ اللُّؤْلُؤِ في البِحارِ في سُورَةِ الحَجِّ.

وقالَ الزُّجاجُ: قَدْ ذَكَرَهُما اللَّهُ فَإذا خَرَجَ مِن أحَدِهِما شَيْءٌ فَقَدْ خَرَجَ مِنهُما وهو كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ألَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقًا﴾ [نوح: ١٥] ﴿وجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نوح: ١٦]، و (القَمَرَ) في السَّماءِ الدُّنْيا. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: هو مِن بابِ حَذْفِ المُضافِ، أيْ مِن أحَدِهِما كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] أيْ مِن إحْداهُما.

والمَرْجانُ: حَيَوانٌ بَحَرِيٌّ ذُو أصابِعَ دَقِيقَةٍ يَنْشَأُ لَيِّنًا ثُمَّ يَتَحَجَّرُ ويَتَلَوَّنُ بِلَوْنِ الحُمْرَةِ ويَتَصَلَّبُ كُلَّما طالَ مُكْثُهُ في البَحْرِ فَيُسْتَخْرَجُ مِنهُ كالعُرُوقِ تُتَّخَذُ مِنهُ حِلْيَةٌ ويُسَمّى بِالفارِسِيَّةِ (بِسَذْ) . وقَدْ تَتَفاوَتُ البِحارُ في الجَيِّدِ مِن مَرْجانِها. ويُوجَدُ بِبَحْرِ طَبَرْقَةَ عَلى البَحْرِ المُتَوَسِّطِ في شَمالِ البِلادِ التُّونِسِيَّةِ.

والمَرْجانُ: لا يَخْرُجُ مِن مُلْتَقى البَحْرَيْنِ المِلْحِ والعَذْبِ بَلْ مِنَ البَحْرِ المِلْحِ.

وقِيلَ: المَرْجانُ اسْمٌ لِصِغارِ الدُّرِّ، واللُّؤْلُؤُ كِبارُهُ فَلا إشْكالَ في قَوْلِهِ مِنهُما.

وقَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو وأبُو جَعْفَرٍ ويَعْقُوبُ (يَخْرُجُ) بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الرّاءِ عَلى البِناءِ لِلْمَجْهُولِ. وقَرَأ الباقُونَ يَخْرُجُ بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الرّاءِ لِأنَّهُما إذا أخْرَجَهُما الغَوّاصُونَ فَقَدْ خَرَجا.

وبَيْنَ قَوْلِهِ (مَرَجَ) وقَوْلِهِ (والمَرْجانُ) الجِناسُ المُذَيَّلُ.