﴿نَحْنُ خَلَقْناكم فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾ .

أعْقَبَ إبْطالَ نَفْيِهِمْ بِالبَعْثِ بِالاِسْتِدْلالِ عَلى إمْكانِهِ وتَقْرِيبِ كَيْفِيَّةِ الإعادَةِ الَّتِي أحالُوها فاسْتَدَلَّ عَلى إمْكانِ إعادَةِ الخَلْقِ بِأنَّ اللَّهَ خَلَقَهم أوَّلَ مَرَّةٍ فَلا يَبْعُدُ أنْ يُعِيدَ خَلْقَهم، قالَ تَعالى ﴿كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] لِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، ولَيْسَ المَقْصُودُ إثْباتَ أنَّ اللَّهَ خَلَقَهم.

وهَذا الكَّلامُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن تَمامِ ما أُمِرَ بِأنْ يَقُولَهُ لَهم، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافًا مُسْتَقِلًّا. والخِطابُ عَلى كِلا الوَجْهَيْنِ مُوَجَّهٌ لِلسّامِعِينَ فَلَيْسَ في ضَمِيرِ خَلَقْناكُمُ التِفاتٌ.

وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى المُسْنَدِ الفِعْلِيِّ لِإفادَةٍ تُقَوِّي الحُكْمَ رَدًّا عَلى إحالَتِهِمْ أنْ يَكُونَ اللَّهُ قادِرًا عَلى إعادَةِ خَلْقِهِمْ بَعْدَ فَناءِ مُعْظَمِ أجْسادِهِمْ حِينَ يَكُونُونَ تُرابًا وعِظامًا، فَهَذا تَذْكِيرٌ لَهم بِما ذُهِلُوا عَنْهُ بِأنَّ اللَّهَ خَلَقَهم لَمّا لَمْ يَجْرُوا عَلى مُوجَبِ ذَلِكَ العِلْمِ بِإحالَتِهِمْ بِإعادَةِ الخَلْقِ نُزِّلُوا مَنزِلَةَ مَن يَشُكُّ في أنَّ اللَّهَ خَلَقَهم، فالمَقْصُودُ بِتَقَوِّي الحُكْمِ الإفْضاءُ إلى ما سَيُفَرَّعُ عَنْهُ مِن قَوْلِهِ ﴿أفَرَأيْتُمْ ما تُمْنُونَ﴾ [الواقعة: ٥٨] إلى قَوْلِهِ ﴿وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أنْ نُبَدِّلَ أمْثالَكُمْ﴾ [الواقعة: ٦٠] . ونَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ في نَسْجِ نَظْمِها والتَّرْتِيبِ عَلَيْها قَوْلُهُ تَعالى ﴿نَحْنُ خَلَقْناهم وشَدَدْنا أسْرَهم وإذا شِئْنا بَدَّلْنا أمْثالَهم تَبْدِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٨] في سُورَةِ الإنْسانِ.

ومَوْقِعُها اسْتِدْلالٌ وعِلَّةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿إنَّ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ﴾ [الواقعة: ٤٩] ولِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ.

صفحة ٣١٣

وفُرِّعَ عَلى ذَلِكَ التَّذْكِيرِ تَحْضِيضُهم عَلى التَّصْدِيقِ، أيْ بِالخَلْقِ الثّانِي وهو البَعْثُ فَإنَّ ذَلِكَ هو الَّذِي لَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ.