صفحة ٣٢٧

﴿نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً ومَتاعًا لِلْمُقْوِينَ﴾ .

الجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ﴾ [الواقعة: ٧٢]، أيْ إنَّ إنْشاءَ النّارِ كانَ لِفَوائِدَ وحِكَمًا مِنها أنْ تَكُونَ تَذْكِرَةً لِلنّاسِ يَذْكُرُونَ بِها نارَ جَهَنَّمَ ويُوازِنُونَ بَيْنَ إحْراقِها وإحْراقِ جَهَنَّمَ الَّتِي يَعْلَمُونَ أنَّها أشَدُّ مِن نارِهِمْ.

والمَتاعُ: ما يُتَمَتَّعُ، أيْ يُنْتَفَعُ بِهِ زَمانًا، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ﴾ [النساء: ٧٧] في سُورَةِ النِّساءِ.

والمُقْوِي: الدّاخِلُ في القَواءِ (بِفَتْحِ القافِ والمَدِّ) وهي القَفْرُ، ويُطْلَقُ المُقْوِي عَلى الجائِعِ لِأنَّ جَوْفَهُ أقْوَتْ، أيْ خَلَتْ مِنَ الطَّعامِ إذْ كِلا الفِعْلَيْنِ مُشْتَقٌّ مِنَ القَوى وهو الخَلاءُ. وفَراغُ البَطْنِ: قَواءٌ وقَوًى. فَإيثارُ هَذا الوَصْفِ في هَذِهِ الآيَةِ لِيَجْمَعَ المَعْنَيَيْنِ، فَإنَّ النّارَ مَتاعٌ لِلْمُسافِرِينَ يَسْتَضِيئُونَ بِها في مَناخِهِمْ ويَصْطَلُونَ بِها في البَرْدِ ويَراها السّائِرُ لَيْلًا في القَفْرِ فَيَهْتَدِي إلى مَكانِ النُّزُلِ فَيَأْوِي إلَيْهِمْ ومَتاعٌ لِلْجائِعِينَ يَطْبُخُونَ بِها طَعامَهم في الحَضَرِ والسَّفَرِ، وهَذا إدْماجٌ في الِامْتِنانِ في خِلالِ الِاسْتِدْلالِ. واخْتِيرَ هَذانِ الوَصْفانِ لِأنَّ احْتِياجَ أصْحابِهِما إلى النّارِ أشَدُّ مِنِ احْتِياجِ غَيْرِهِما.