﴿هو الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ﴾ .

مَوْقِعُ هَذِهِ الجُمْلَةِ اسْتِئْنافٌ كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ ﴿هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ﴾ [الحديد: ٣] الآيَةَ، فَهَذا اسْتِئْنافٌ ثانٍ مُفِيدٌ الِاسْتِدْلالَ عَلى انْفِرادِهِ تَعالى بِالإلَهِيَّةِ لِيُقْلِعُوا عَنِ الإشْراكِ بِهِ.

صفحة ٣٦٤

ويُفِيدُ أيْضًا بَيانًا لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الحديد: ٢] وجُمْلَةِ ﴿وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الحديد: ٢]، فَإنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ قادِرٌ عَلى عَظِيمِ الإبْداعِ.

والاسْتِواءُ عَلى العَرْشِ تَمْثِيلٌ لِلْمُلْكِ الَّذِي في قَوْلِهِ ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الحديد: ٢] .

وهَذا مَعْنى اسْمِهِ تَعالى ”الخالِقُ“، وتَقَدَّمَ قَرِيبٌ مِن هَذِهِ الآيَةِ في أوائِلِ سُورَةِ الأعْرافِ.

* * *

﴿يَعْلَمُ ما يَلِجُ في الأرْضِ وما يَخْرُجُ مِنها وما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وما يَعْرُجُ فِيها﴾ .

اسْتِئْنافٌ لِتَقْرِيرِ عُمُومِ عِلْمِهِ تَعالى بِكُلِّ شَيْءٍ فَكانَ بَيانَ جُمْلَةِ ﴿وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الحديد: ٢] وجُمْلَةِ ﴿وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣] جارِيًا عَلى طَرِيقَةِ النَّشْرِ لِلَّفِّ عَلى التَّرْتِيبِ، وتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ سَبَأٍ فانْظُرْ ذَلِكَ.

* * *

﴿وهْوَ مَعَكم أيْنَما كُنْتُمْ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ عَطْفُ مَعْنًى خاصٍّ عَلى مَعْنًى شَمِلَهُ وغَيْرَهُ لِقَصْدِ الِاهْتِمامِ بِالمَعْطُوفِ.

والمَعِيَّةُ تَمْثِيلٌ كِنائِيٌّ عَنِ العِلْمِ بِجَمِيعِ أحْوالِهِ.

و”أيْنَما“ ظَرْفٌ مُرَكَّبٌ مِن (أيْنَ) وهي اسْمٌ لِلْمَكانِ، و(ما) الزّائِدَةُ لِلدَّلالَةِ عَلى تَعْمِيمِ الأمْكِنَةِ.

وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ تَكْمِلَةٌ لِمَضْمُونِ ﴿وهُوَ مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ﴾، وكانَ حَقُّها أنْ لا تُعْطَفَ وإنَّما عُطِفَتْ تَرْجِيحًا لِجانِبِ ما تَحْتَوِي عَلَيْهِ مِنَ الخَبَرِ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ.