Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿اعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾
افْتِتاحُ الكَلامِ بِـ ”اعْلَمُوا“ ونَحْوِهِ يُؤْذِنُ بِأنَّ ما سَيُلْقى جَدِيرٌ بِتَوَجُّهِ الذِّهْنِ بِشَراشِرِهِ إلَيْهِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في أنْفُسِكم فاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥]، في سُورَةِ البَقَرَةِ وقَوْلِهِ ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]، الآيَةَ في سُورَةِ الأنْفالِ.
وهُوَ هُنا يُشِيرُ إلى أنَّ الكَلامَ الَّذِي بُعْدُهُ مَغْزًى عَظِيمٌ غَيْرُ ظاهِرٍ، وذَلِكَ أنَّهُ أُرِيدَ بِهِ تَمْثِيلُ حالِ احْتِياجِ القُلُوبِ المُؤْمِنَةِ إلى ذِكْرِ اللَّهِ بِحالِ الأرْضِ المَيِّتَةِ في الحاجَةِ إلى المَطَرِ، وحالِ الذِّكْرِ في تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ واسْتِنارَتِها بِحالِ الغَيْثِ في إحْياءِ الأرْضِ الجَدْبَةِ. ودَلَّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾، وإلّا فَإنَّ إحْياءَ اللَّهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بِما يُصِيبُها مِنَ المَطَرِ لا خَفاءَ فِيها فَلا يَقْتَضِي أنْ يَفْتَتِحَ الإخْبارَ عَنْهُ بِمِثْلِ ”اعْلَمُوا“ إلّا لِأنَّ فِيهِ دَلالَةً غَيْرَ مَأْلُوفَةٍ وهي دَلالَةُ التَّمْثِيلِ، ونَظِيرُهُ «قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ لِأبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ وقَدْ رَآهُ لَطَمَ وجْهَ عَبْدٍ لَهُ: اعْلَمْ أبا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أبا مَسْعُودٍ أنَّ اللَّهَ أقْدَرُ عَلَيْكَ مِنكَ عَلى هَذا» .
فالجُمْلَةُ بِمَنزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ ﴿ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهم لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٦] إلى قَوْلِهِ ”فَقَسَتْ قُلُوبُهم“، لِما تَتَضَمَّنُهُ تِلْكَ مِنَ التَّحْرِيضِ عَلى الخُشُوعِ
صفحة ٣٩٤
لِذِكْرِ اللَّهِ، ولَكِنْ هَذِهِ بِمَنزِلَةِ العِلَّةِ فُصِلَتْ ولَمْ تُعْطَفْ، وهَذا يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ مِمّا نَزَلَ مَعَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: ١٦]، الآيَةَ.والخِطابُ في قَوْلِهِ اعْلَمُوا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ إقْبالًا عَلَيْهِمْ لِلِاهْتِمامِ.
وقَوْلُهُ ﴿أنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾، اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ مُصَرَّحَةٌ ويَتَضَمَّنُ تَمْثِيلِيَّةً مَكْنِيَّةً بِسَبَبِ تَضَمُّنِهِ تَشْبِيهَ حالِ ذِكْرِ اللَّهِ والقُرْآنِ في إصْلاحِ القُلُوبِ بِحالِ المَطَرِ في إصْلاحِهِ الأرْضَ بَعْدَ جَدْبِها. وطُوِيَ ذِكْرُ الحالَةِ المُشَبَّهِ بِها ورُمِزَ إلَيْها بِلازِمِها وهو إسْنادُ إحْياءِ الأرْضِ إلى اللَّهِ لِأنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بِسَبَبِ المَطَرِ كَما قالَ تَعالى ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأحْيا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها.
والمَقْصُودُ الإرْشادُ إلى وسِيلَةِ الإنابَةِ إلى اللَّهِ والحَثِّ عَلى تَعَهُّدِ النَّفْسِ بِالمَوْعِظَةِ، والتَّذْكِيرُ بِالإقْبالِ عَلى القُرْآنِ وتَدَبُّرِهِ وكَلامِ الرَّسُولِ ﷺ وتَعْلِيمِهِ وأنَّ في اللَّجَأِ إلى كِتابِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ نَجاةً وفي المَفْزَعِ إلَيْهِما عِصْمَةً وقَدْ قالَ النَّبِيءُ ﷺ «تَرَكْتُ فِيكم ما إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتابَ اللَّهِ وسُنَّتِي»، وقالَ «مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدى والعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصابَ أرْضًا فَكانَ مِنها نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الماءَ فَأنْبَتَتِ الكَلَأ والعُشْبَ، وكانَتْ مِنها أجادِبَ أمْسَكَتِ الماءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِها النّاسَ فَشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا، وأصابَ مِنها طائِفَةً أُخْرى إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ ونَفَعَهُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ لِذَلِكَ رَأْسًا ولَمْ يَقْبَلْ هُدى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» .
وقَوْلُهُ ﴿قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾، اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِجُمْلَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ لِأنَّ السّامِعَ قَوْلَهُ ﴿اعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ يَتَطَلَّبُ مَعْرِفَةَ الغَرَضِ مِن هَذا الإعْلامِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ﴿قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ﴾، جَوابًا عَنْ تَطَلُّبِهِ، أيْ: أعْلَمْناكم بِهَذا تَبْيِينًا لِلْآياتِ.
ويُفِيدُ بِعُمُومِهِ مُفادَ التَّذْيِيلِ لِلْآياتِ السّابِقَةِ مِن أوَّلِ السُّورَةِ مَكِيِّها ومَدَنِيِّها لِأنَّ
صفحة ٣٩٥
الآيَةَ وإنْ كانَتْ مَدَنِيَّةً فَمَوْقِعُها بَعْدَ الآياتِ النّازِلَةِ بِمَكَّةَ مُرادٌ لِلَّهِ تَعالى، ويَدُلُّ عَلَيْهِ الأمْرُ بِوَضْعِها في مَوْضِعِها هَذا، ولِأنَّ التَّعْرِيفَ في الآياتِ لِلِاسْتِغْراقِ كَما هو شَأْنُ الجَمْعِ المُعَرَّفِ بِاللّامِ.والآياتُ: الدَّلائِلُ. والمُرادُ بِها: ما يَشْمَلُ مَضْمُونَ قَوْلِهِ ﴿ولا يَكُونُوا كالَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ﴾ [الحديد: ١٦] إلى قَوْلِهِ ”بَعْدَ مَوْتِها“ وهو مَحَلُّ ضَرْبِ المَثَلِ لِأنَّ التَّنْظِيرَ بِحالِ أهْلِ الكِتابِ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْثِيلِ.
وبَيانُ الآياتِ يَحْصُلُ مِن فَصاحَةِ الكَلامِ وبَلاغَتِهِ ووَفْرَةِ مَعانِيهِ وتَوْضِيحِها، وكُلُّ ذَلِكَ حاصِلٌ في هَذِهِ الآياتِ كَما عَلِمْتَ آنِفًا. ومِن أوْضَحِ البَيانِ التَّنْظِيرُ بِأحْوالِ المُشابِهِينَ في حالَةِ التَّحْذِيرِ أوِ التَّحْضِيضِ.
و”لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ“: رَجاءٌ وتَعْلِيلٌ، أيْ: بَيَّنا لَكم لِأنَّكم حالُكم كَحالِ مَن يُرْجى فَهْمُهُ، والبَيانُ عِلَّةٌ لِفَهْمِهِ.