Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿لِئَلّا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِن فَضْلِ اللَّهِ وأنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ .
اسْمُ أهْلُ الكِتابِ لَقَبٌ في القُرْآنِ لِلْيَهُودِ والنَّصارى الَّذِينَ لَمْ يَتَدَيَّنُوا بِالإسْلامِ لِأنَّ المُرادَ بِالكِتابِ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ إذا أُضِيفَ إلَيْهِ (أهْلُ)، فَلا يُطْلَقُ عَلى المُسْلِمِينَ: أهْلُ الكِتابِ، وإنْ كانَ لَهم كِتابٌ، فَمَن صارَ مُسْلِمًا مِنَ
صفحة ٤٣٠
اليَهُودِ والنَّصارى لا يُوصَفُ بِأنَّهُ مِن أهْلِ الكِتابِ في اصْطِلاحِ القُرْآنِ، ولِذَلِكَ لَمّا وُصِفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ في القُرْآنِ وُصِفَ بِقَوْلِهِ ﴿ومَن عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ﴾ [الرعد: ٤٣] وقَوْلِهِ ﴿وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ﴾ [الأحقاف: ١٠]، فَلَمّا كانَ المُتَحَدَّثُ عَنْهم آنِفًا صارُوا مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَقَدِ انْسَلَخَ عَنْهم وصْفُ أهْلِ الكِتابِ، فَبَقِيَ الوَصْفُ بِذَلِكَ خاصَّةً بِاليَهُودِ والنَّصارى، فَلَمّا دَعا اللَّهُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا المَسِيحَ إلى الإيمانِ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ووَعَدَهم بِمُضاعَفَةِ ثَوابِ ذَلِكَ الإيمانِ، أعْلَمَهم أنَّ إيمانَهم يُبْطِلُ ما يَنْتَحِلُهُ أتْباعُ المَسِيحِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الفَضْلِ والشَّرَفِ لِأنْفُسِهِمْ بِدَوامِهِمْ عَلى مُتابَعَةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَيُغالِطُوا النّاسَ بِأنَّهم إنْ فاتَهم فَضْلُ الإسْلامِ لَمْ يَفُتْهم شَيْءٌ مِنَ الفَضْلِ بِاتِّباعِ عِيسى مَعَ كَوْنِهِمْ لَمْ يُغَيِّرُوا دِينَهم.وقَدْ أفادَ هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى ﴿لِئَلّا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ .
قالَ الفَخْرُ: قالَ الواحِدِيُّ: هَذِهِ آيَةٌ مُشْكِلَةٌ ولَيْسَ لِلْمُفَسِّرِينَ كَلامٌ واضِحٌ في اتِّصالِها بِما قَبْلَها اهـ. هَلْ هي مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ ﴿يُؤْتِكم كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] الآيَةَ، أوْ مُتَّصِلَةُ ﴿فَآتَيْنا الَّذِينَ آمَنُوا مِنهم أجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧] إلى قَوْلِهِ ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد: ٢٨] . يُرِيدُ الواحِدِيُّ أنَّ اتِّصالَ الآيَةِ بِما قَبْلَها يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿لِئَلّا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ .
فاللّامُ في قَوْلِهِ ﴿لِئَلّا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ﴾ يَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ تَعْلِيلِيَّةً فَيَكُونُ ما بَعْدَها مَعْلُولًا بِما قَبْلَها، وعَلَيْهِ فَحَرْفُ (لا) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ زائِدًا لِلتَّأْكِيدِ والتَّقْوِيَةِ.
والمُعَلَّلُ هو ما يَرْجِعُ إلى فَضْلِ اللَّهِ لا مَحالَةَ وذَلِكَ ما تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ﴿يُؤْتِكم كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ ويَجْعَلْ لَكم نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ويَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٨] أوْ قَوْلُهُ ﴿فَآتَيْنا الَّذِينَ آمَنُوا مِنهم أجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧] إلى ”غَفُورٌ رَحِيمٌ“ .
وذَهَبَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ إلى جَعْلِ (لا) زائِدَةً. وأنَّ المَعْنى عَلى الإثْباتِ، أيْ: لِأنْ يَعْلَمَ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وقَرَأ ”لِيَعْلَمَ“، وقَرَأ أيْضًا ”لِكَيْ يَعْلَمَ“، (( وقِراءَتُهُ تَفْسِيرٌ) . وهَذا قَوْلُ الفَرّاءِ، والأخْفَشِ، ودَرَجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ في
صفحة ٤٣١
الكَشّافِ وابْنُ عَطِيَّةَ، وابْنُ هِشامٍ في مُغْنِي اللَّبِيبِ، وهو بِناءً عَلى أنَّ (لا) قَدْ تَقَعُ زائِدَةً وهو ما أثْبَتَهُ الأخْفَشُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ما مَنَعَكَ إذْ رَأيْتَهم ضَلُّوا ألّا تَتَّبِعَنِي﴾ [طه: ٩٢] وقَوْلُهُ ﴿ما مَنَعَكَ أنْ لا تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢] وقَوْلُهُ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥] ونَحْوُ ذَلِكَ، وقَوْلُهُ: ﴿وحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أنَّهم لا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٥] عَلى أحَدِ تَأْوِيلاتٍ، ورُوِيَ أنَّ العَرَبَ جَعَلَتْها حَشْوًا في قَوْلِ الشّاعِرِ أنْشَدَهُ أبُو عُمْرِو بْنُ العَلاءِ:أبى جُودُهُ لا البُخْلَ واسْتَعْجَلَتْ بِهِ ”نَعَمْ“ مِن فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ قائِلُهُ
فِي رِوايَةٍ بِنَصْبِ (البُخْلَ)، البُخْلَ وأنَّ العَرَبَ فَسَّرُوا البَيْتَ بِمَعْنى أبى جُودُهُ البُخْلَ.والمَعْنى: عَلى هَذا الوَجْهِ أنَّ المُعَلَّلَ هو تَبْلِيغُ هَذا الخَبَرِ إلى أهْلِ الكِتابِ لِيَعْلَمُوا أنَّ فَضْلَ اللَّهِ أُعْطِيَ غَيْرَهم فَلا يَتَبَجَّحُوا بِأنَّهم عَلى فَضْلٍ لا يَنْقُصُ عَنْ فَضْلِ غَيْرِهِمْ إذْ كانَ لِغَيْرِهِمْ فَضْلٌ وهو المُوافِقُ لِتَفْسِيرِ مُجاهِدٍ، وقَتادَةَ.
وعِنْدِي: أنَّهُ لا يُعْطِي مَعْنًى لِأنَّ إخْبارَ القُرْآنِ بِأنَّ لِلْمُسْلِمِينَ أجْرَيْنِ لا يُصَدِّقُ بِهِ أهْلُ الكِتابِ فَلا يَسْتَقِرُّ بِهِ عِلْمُهم بِأنَّهم لا فَضْلَ لَهم فَكَيْفَ يُعَلَّلُ إخْبارُ اللَّهِ بِهِ بِأنَّهُ يُزِيلُ عِلْمَ أهْلِ الكِتابِ بِفَضْلِ أنْفُسِهِمْ فَيَعْلَمُونَ أنَّهم لا فَضْلَ لَهم.
وذَهَبَ أبُو مُسْلِمٍ الأصْفَهانِيُّ وتَبِعَهُ جَماعَةٌ إلى أنَّ (لا) نافِيَةٌ، وقَرَّرَهُ الفَخْرُ بِأنَّ ضَمِيرَ ”يَقْدِرُونَ“ عائِدٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ والَّذِينَ آمَنُوا بِهِ (أيْ: عَلى طَرِيقِ الِالتِفاتِ مِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ وأصْلُهُ أنْ لا تَقْدِرُوا) وإذا انْتَفى عِلْمُ أهْلِ الكِتابِ بِأنَّ الرَّسُولَ ﷺ والمُسْلِمِينَ لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِن فَضْلِ اللَّهِ ثَبَتَ ضِدُّ ذَلِكَ في عِلْمِهِمْ أيْ: كَيْفَ أنَّ الرَّسُولَ ﷺ والمُسْلِمِينَ يَقْدِرُونَ عَلى فَضْلِ اللَّهِ، ويَكُونُ ”يَقْدِرُونَ“ مُسْتَعارًا لِمَعْنى: يَنالُونَ، وأنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، فَهو الَّذِي فَضَّلَهم، ويَكُونُ ذَلِكَ كِنايَةً عَنِ انْتِفاءِ الفَضْلِ عَنْ أهْلِ الكِتابِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالرَّسُولِ ﷺ .
صفحة ٤٣٢
ويَرُدُّ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ ما ورَدَ عَلى الَّذِي قَبْلَهُ لِأنَّ عِلْمَ أهْلِ الكِتابِ لا يَحْصُلُ بِإخْبارِ القُرْآنِ لِأنَّهم يُكَذِّبُونَ بِهِ.وأنا أرى أنَّ دَعْوى زِيادَةِ (لا) لا داعِيَ إلَيْها، وأنَّ بَقاءَها عَلى أصْلِ مَعْناها وهو النَّفْيُ مُتَعَيِّنٌ، وتُجْعَلُ اللّامَ لِلْعاقِبَةِ، أيْ: أعْطَيْناكم هَذا الفَضْلَ وحُرِمَ مِنهُ أهْلُ الكِتابِ فَبَقِيَ أهْلُ الكِتابِ في جَهْلِهِمْ وغُرُورِهِمْ بِأنَّ لَهُمُ الفَضْلَ المُسْتَمِرَّ ولا يَحْصُلُ لَهم عِلْمٌ بِانْتِفاءِ أنْ يَكُونُوا يَمْلِكُونَ فَضْلَ اللَّهِ ولا أنَّ اللَّهَ قَدْ أعْطى الفَضْلَ قَوْمًا آخَرِينَ وحَرَمَهم إيّاهُ فَيَنْسَوْنَ أنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، ولَيْسَ أحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ بِالذّاتِ.
وبِهَذا الغُرُورِ اسْتَمَرُّوا عَلى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمُ القَدِيمِ، ومَعْلُومٌ أنَّ لامَ العاقِبَةِ أصْلُها التَّعْلِيلُ المَجازِيُّ كَما عَلِمْتَهُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] في سُورَةِ القَصَصِ.
وقَوْلُهُ ”أهْلُ الكِتابِ“ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صادِقًا عَلى اليَهُودِ خاصَّةً إنْ جُعِلَ التَّعْلِيلُ تَعْلِيلًا لِمَجْمُوعِ قَوْلِهِ ﴿فَآتَيْنا الَّذِينَ آمَنُوا مِنهم أجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧] وقَوْلِهِ ﴿يُؤْتِكم كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ صادِقًا عَلى اليَهُودِ والنَّصارى إنْ جُعِلَ لامُ التَّعْلِيلِ عِلَّةً لِقَوْلِهِ ﴿يُؤْتِكم كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] .
و(أنْ) مِن قَوْلِهِ ”أنْ لا يَقْدِرُونَ“ مُخَفَّفَةٌ مِن (أنَّ) واسْمُها ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ.
والمَعْنى: لا تَكْتَرِثُوا بِعَدَمِ عِلْمِ أهْلِ الكِتابِ بِأنَّهم لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِن فَضْلِ اللَّهِ وبِأنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ، أيْ: لا تَكْتَرِثُوا بِجَهْلِهِمُ المُرَكَّبِ في اسْتِمْرارِهِمْ عَلى الِاغْتِرارِ بِأنَّ لَهم مَنزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعالى فَإنَّ اللَّهَ عالِمٌ بِذَلِكَ وهو خُلُقُهم فَهم لا يُقْلِعُونَ عَنْهُ، وهَذا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
صفحة ٤٣٣
وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ تَذْيِيلٌ يَعُمُّ الفَضْلَ الَّذِي آتاهُ اللَّهُ أهْلَ الكِتابِ المُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وغَيْرَهُ مِنَ الفَضْلِ.* * *
صفحة ٥
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سُورَةُ المُجادَلَةِ. سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ في كُتُبِ التَّفْسِيرِ وفي المَصاحِفِ وكُتُبِ السُّنَّةِ (سُورَةَ المُجادَلَةِ) بِكَسْرِ الدّالِ أوْ بِفَتْحِهِ كَما سَيَأْتِي. وتُسَمّى (سُورَةَ قَدْ سَمِعَ) وهَذا الِاسْمُ مُشْتَهِرٌ في الكَتاتِيبِ في تُونُسَ، وسُمِّيَتْ في مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (سُورَةَ الظِّهارِ) .ووَجْهُ تَسْمِيَتِها (سُورَةَ المُجادَلَةِ) لِأنَّها افْتُتِحَتْ بِقَضِيَّةِ مُجادَلَةِ امْرَأةِ أوْسِ بْنِ الصّامِتِ لَدى النَّبِيءِ ﷺ في شَأْنِ مُظاهَرَةِ زَوْجِها.
ولَمْ يَذْكُرِ المُفَسِّرُونَ ولا شارِحُو كُتُبِ السُّنَّةِ ضَبْطَهُ بِكَسْرِ الدّالِ أوْ فَتْحِها. وذَكَرَ الخَفاجِيُّ في حاشِيَةِ البَيْضاوِيِّ عَنِ الكَشْفِ أنَّ كَسْرَ الدّالِ هو المَعْرُوفُ (ولَمْ أدْرِ ما أرادَ الخَفاجِيُّ بِالكَشْفِ الَّذِي عَزا إلَيْهِ هَذا)، فَكَشْفُ القَزْوِينِيِّ عَلى الكَشّافِ لا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ، ولا في التَّفْسِيرِ المُسَمّى الكَشْفَ والبَيانَ لِلثَّعْلَبِيِّ. فَلَعَلَّ الخَفاجِيَّ رَأى ذَلِكَ في الكَشْفِ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْهُ الطِّيبِيُّ في مَواضِعِ تَقْرِيراتٍ لِكَلامِ الكَشّافِ وهو غَيْرُ مَعْرُوفٍ في عِدادِ شُرُوحِ الكَشّافِ، وكَسْرُ الدّالِ أظْهَرُ لِأنَّ السُّورَةَ افْتُتِحَتْ بِذِكْرِ الَّتِي تُجادِلُ في زَوْجِها فَحَقِيقَةٌ أنْ تُضافَ إلى صاحِبَةِ الجِدالِ، وهي الَّتِي ذَكَرَها اللَّهُ بِقَوْلِهِ ﴿الَّتِي تُجادِلُكَ في زَوْجِها﴾ [المجادلة: ١] . ورَأيْتُ في نُسْخَةٍ مِن حاشِيَةِ مُحَمَّدٍ الهَمَذانِيِّ عَلى الكَشّافِ المُسَمّاةِ تَوْضِيحَ المُشْكِلاتِ، بِخَطِّ مُؤَلِّفِها جَعَلَ عَلامَةَ كَسْرَةٍ تَحْتَ دالِ المُجادِلَةِ. وأمّا فَتْحُ الدّالِ فَهو مَصْدَرٌ مَأْخُوذٌ مِن فِعْلِ ﴿تُجادِلُكَ﴾ [المجادلة: ١] كَما عَبَّرَ عَنْها بِالتَّحاوُرِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿واللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما﴾ [المجادلة: ١] .
وهَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ بِالإجْماعِ. وفي تَفْسِيرِ القُرْطُبِيِّ عَنْ عَطاءٍ: أنَّ العَشْرَ الأُوَلَ مِنها مَدَنِيٌّ وباقِيهِا مَكِّيٌّ. وفِيهِ عَنِ الكَلْبِيِّ أنَّها مَدَنِيَّةٌ إلّا قَوْلَهُ تَعالى ﴿ما يَكُونُ مِن نَجْوى ثَلاثَةٍ إلّا هو رابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] الآيَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ.
صفحة ٦
وهِيَ السُّورَةُ المِائَةُ وثَلاثٌ في عِدادِ نُزُولِ سُوَرِ القُرْآنِ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ المُنافِقِينَ وقَبْلَ سُورَةِ التَّحْرِيمِ.والَّذِي يَظْهَرُ أنَّ سُورَةَ المُجادَلَةِ نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الأحْزابِ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ في سُورَةِ الأحْزابِ ﴿وما جَعَلَ أزْواجَكُمُ اللّاءِ تَظَّهَّرُونَ مِنهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤]، وذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ إبْطالِ حُكْمِ الظِّهارِ بِما في سُورَةِ المُجادَلَةِ لِأنَّ قَوْلَهُ ما جَعَلَ يَقْتَضِي إبْطالَ التَّحْرِيمِ بِالمُظاهَرَةِ. وإنَّما أُبْطِلَ بِآيَةِ سُورَةِ المُجادَلَةِ. وقالَ السَّخاوِيُّ: نَزَلَتْ سُورَةُ المُجادَلَةِ بَعْدَ سُورَةِ المُنافِقِينَ وقَبْلَ سُورَةِ الحُجُراتِ.
وآيِها في عَدِّ أهْلِ المَدِينَةِ وأهْلِ مَكَّةَ إحْدى وعِشْرُونَ، وفي عَدِّ أهْلِ الشّامِ والبَصْرَةِ والكُوفَةِ اثْنَتانِ وعِشْرُونَ.
* * *
الحُكْمُ في قَضِيَّةِ مُظاهَرَةِ أوْسِ بْنِ الصّامِتِ مِن زَوْجِهِ خَوْلَةَ.وإبْطالُ ما كانَ في الجاهِلِيَّةِ مِن تَحْرِيمِ المَرْأةِ إذا ظاهَرَ مِنها زَوْجُها وأنَّ عَمَلَهم مُخالِفٌ لِما أرادَهُ اللَّهُ وأنَّهُ مِن أوْهامِهِمْ وزُورِهِمُ الَّتِي كَبَتَهُمُ اللَّهُ بِإبْطالِها. وتَخَلَّصَ مِن ذَلِكَ إلى ضَلالاتِ المُنافِقِينَ ومِنها مُناجاتُهم بِمَرْأى المُؤْمِنِينَ لِيُغِيضُوهم ويُحْزِنُوهم.
ومِنها مُوالاتُهُمُ اليَهُودَ. وحَلِفُهم عَلى الكَذِبِ.
وتَخَلَّلَ ذَلِكَ التَّعَرُّضُ بِآدابِ مَجْلِسِ الرَّسُولِ ﷺ .
وشَرَعَ التَّصَدُّقَ قَبْلَ مُناجاةِ الرَّسُولِ ﷺ .
والثَّناءُ عَلى المُؤْمِنِينَ في مُجافاتِهِمُ اليَهُودَ والمُشْرِكِينَ.
وأنَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ وحِزْبَهُما هُمُ الغالِبُونَ.