﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وهْوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ .

افْتِتاحُ السُّورَةِ بِالإخْبارِ عَنْ تَسْبِيحِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ لِلَّهِ تَعالى تَذْكِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِتَسْبِيحِهِمْ لِلَّهِ تَسْبِيحَ شُكْرٍ عَلى ما أنالَهم مِن فَتْحِ بِلادِ بَنِي النَّضِيرِ فَكَأنَّهُ قالَ سَبِّحُوا لِلَّهِ كَما سَبَّحَ لَهُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ.

وتَعْرِيضٌ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ نَزَلَتِ السُّورَةُ فِيهِمْ بِأنَّهم أصابَهم ما أصابَهم لِتَكَبُّرِهِمْ عَنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ حَقَّ تَسْبِيحِهِ بِتَصْدِيقِ رَسُولِهِ ﷺ إذْ أعْرَضُوا عَنِ النَّظَرِ في دَلائِلِ رِسالَتِهِ أوْ كابَرُوا في مَعْرِفَتِها.

والقَوْلُ في لَفْظِ هَذِهِ الآيَةِ كالقَوْلِ في نَظِيرِها في أوَّلِ سُورَةِ الحَدِيدِ، إلّا أنَّ الَّتِي في أوَّلِ سُورَةِ الحَدِيدِ فِيها ﴿ما في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الحشر: ٢٤] وهاهُنا قالَ ﴿ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ لِأنَّ فاتِحَةَ سُورَةِ الحَدِيدِ تَضَمَّنَتْ الِاسْتِدْلالَ عَلى

صفحة ٦٥

عَظْمَةِ اللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ وانْفِرادِهِ بِخَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ فَكانَ دَلِيلُ ذَلِكَ هو مَجْمُوعَ ما احْتَوَتْ عَلَيْهِ السَّماواتُ والأرْضُ مِن أصْنافِ المَوْجُوداتِ فَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ في اسْمٍ واحِدٍ هو ما المَوْصُولَةُ الَّتِي صِلَتُها قَوْلُهُ في السَّماواتِ والأرْضِ. وأمّا فاتِحَةُ سُورَةِ الحَشْرِ فَقَدْ سِيقَتْ لِلتَّذْكِيرِ بِمِنَّةِ اللَّهِ تَعالى عَلى المُسْلِمِينَ في حادِثَةٍ أرْضِيَّةٍ وهي خِذْلانُ بَنِي النَّضِيرِ فَناسَبَ فِيها أنْ يُخَصَّ أهْلُ الأرْضِ بِاسْمٍ مَوْصُولٍ خاصٍّ بِهِمْ، وهي ما المَوْصُولَةُ الثّانِيَةُ الَّتِي صِلَتُها في الأرْضِ، وعَلى هَذا المِنوالِ جاءَتْ فَواتِحُ سُوَرِ الصَّفِّ والجُمُعَةِ والتَّغابُنِ كَما سَيَأْتِي في مَواضِعِها. وأُوثِرَ الإخْبارُ عَنْ ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ بِفِعْلِ المُضِيِّ لِأنَّ المُخْبَرَ عَنْهُ تَسْبِيحُ شُكْرٍ عَنْ نِعْمَةٍ مَضَتْ قَبْلَ نُزُولِ السُّورَةِ وهي نِعْمَةُ إخْراجِ أهْلِ النَّضِيرِ.