Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَجْعَلَ بَيْنَكم وبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنهم مَوَدَّةً واللَّهُ قَدِيرٌ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ .
اعْتِراضٌ وهو اسْتِئْنافٌ مُتَّصِلٌ بِما قَبْلَهُ مِن أوَّلِ السُّورَةِ خُوطِبَ بِهِ المُؤْمِنُونَ تَسْلِيَةً لَهم عَلى ما نُهُوا عَنْهُ مِن مُواصَلَةِ أقْرِبائِهِمْ، بِأنْ يَرْجُوا مِنَ اللَّهِ أنْ يَجْعَلَ قَطِيعَتَهم آيِلَةً إلى مَوَدَّةٍ بِأنْ يَسْلَمَ المُشْرِكُونَ مِن قَرابَةِ المُؤْمِنِينَ وقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ ذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ بِإسْلامِ أبِي سُفْيانَ والحارِثِ بْنِ هِشامٍ وسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وحَكِيمِ بْنِ حِزامٍ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَ مِن هَذِهِ المَوَدَّةِ تَزَوُّجُ النَّبِيءِ ﷺ أمَّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبِي سُفْيانَ، تَزَوَّجَها بَعْدَ وفاةِ زَوْجِها عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ بِأرْضِ الحَبَشَةِ بَعْدَ أنْ تَنَصَّرَ زَوْجُها فَلَمّا تَزَوَّجَها النَّبِيءُ ﷺ لانَتْ عَرِيكَةُ أبِي سُفْيانَ وصَرَّحَ بِفَضْلِ النَّبِيءِ ﷺ فَقالَ: (ذَلِكَ الفَحْلُ لا يُقْدَعُ أنْفُهُ) رُوِيَ بِدالٍ بَعْدَ القافِ يُقالُ: قَدَعَ أنْفَهُ. إذا ضَرَبَ أنْفَهُ بِالرُّمْحِ وهَذا تَمْثِيلٌ، وكانُوا إذا نَزا فَحَلٌ غَيْرُ كَرِيمٍ عَلى ناقَةٍ
صفحة ١٥١
كَرِيمَةٍ دَفَعُوهُ عَنْها بِضَرْبِ أنْفِهِ بِالرُّمْحِ لِئَلا يَكُونُ نَتاجُها هَجِينًا. وإذا تَقَدَّمَ أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ عامَ فَتْحِ مَكَّةَ وكانَ تَزَوُّجُ النَّبِيءُ ﷺ أمَّ حَبِيبَةٍ في مُدَّةِ مُهاجَرَتِها بِالحَبَشَةِ وتِلْكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ كَما صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وغَيْرُهُ. يَعْنِي فَتَكُونُ آيَةُ ﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ﴾ إلَخْ نَزَلَتْ قَبْلَ نِزُولِ أوَّلِ السُّورَةِ ثُمَّ أُلْحِقَتْ بِالسُّورَةِ.وإمّا أنْ يَكُونَ كَلامُ ابْنُ عَبّاسٍ عَلى وجْهِ المِثالِ لِحُصُولِ المَوَدَّةِ مَعَ بَعْضِ المُشْرِكِينَ، وحُصُولُ مِثْلِ تِلْكَ المَوَدَّةِ يُهَيِّئُ صاحِبَهُ إلى الإسْلامِ واسْتَبْعَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ صِحَّةَ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
و(عَسى) فِعْلُ مُقارَبَةٍ وهو مُسْتَعْمَلٌ هُنا في رَجاءِ المُسْلِمِينَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ أوْ مُسْتَعْمَلَةٌ في الوَعْدِ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الرَّجاءِ. قالَ في الكَشّافِ: كَما يَقُولُ المَلِكُ في بَعْضِ الحَوائِجِ عَسى أوْ لَعَلَّ فَلا تَبْقى شُبْهَةٌ لِلْمُحْتاجِ في تَمامِ ذَلِكَ.
وضَمِيرُ (مِنهم) عائِدٌ إلى العَدُوِّ مِن قَوْلِهِ ﴿لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكم أوْلِياءَ﴾ [الممتحنة: ١] وجُمْلَةُ (واللَّهُ قَدِيرٌ) تَذْيِيلٌ. والمَعْنى: أنَّهُ شَدِيدُ القُدْرَةِ عَلى أنْ يُغَيِّرَ الأحْوالَ فَيَصِيرُ المُشْرِكُونَ مُؤْمِنِينَ صادِقِينَ وتَصِيرُونَ أوِدّاءَ لَهم.
وعَطَفَ عَلى التَّذْيِيلِ جُمْلَةَ (واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، أيْ يَغْفِرُ لِمَن أنابُوا إلَيْهِ ويَرْحَمُهم فَلا عَجَبَ أنْ يَصِيرُوا أوِدّاءَ لَكم كَما تَصِيرُونَ أوِدّاءَ لَهم.