﴿إنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكم في الدِّينِ وأخْرَجُوكم مِن دِيارِكم وظاهَرُوا عَلى إخْراجِكم أنْ تَوَلَّوْهم ومَن يَتَوَلَّهم فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ .

فَذْلَكَةٌ لِما تَقَدَّمَ وحَصْرٌ لِحُكْمِ الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ. وهي تُؤْذِنُ بِانْتِهاءِ الغَرَضِ المَسُوقِ لَهُ الكَلامُ مِن أوَّلِهِ.

والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن جُمْلَةِ ﴿إنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ﴾ إلى آخِرِها قَصْرٌ قُلِبَ لِرَدِّ اعْتِقادِ مَن ظَنَّ أوْ شَكَّ في جَوازِ صِلَةِ المُشْرِكِينَ عَلى الإطْلاقِ. والَّذِينَ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الصِّفاتُ يَوْمَ نُزُولِ الآيَةِ هم مُشْرِكُو أهْلِ مَكَّةَ، و﴿أنْ تَوَلَّوْهُمْ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنَ ﴿الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ﴾ .

صفحة ١٥٤

﴿ومَن يَتَوَلَّهُمْ﴾ شَرْطٌ وجِيءَ في جَوابِ الشَّرْطِ بِاسْمِ الإشارَةِ لِتَمْيِيزِ المُشارِ إلَيْهِمْ زِيادَةً في إيضاحِ الحُكْمِ.

والمُظاهَرَةُ: المُعاوَنَةُ. وذَلِكَ لِأنَّ أهْلَ مَكَّةَ فَرِيقانِ مِنهم مَن يَأْتِي بِالأسْبابِ الَّتِي لا يَحْتَمِلُ المُسْلِمُونَ مَعَها البَقاءَ بِمَكَّةَ، ومِنهم مَن يُعِينُ عَلى ذَلِكَ ويُغْرِي عَلَيْهِ.

والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن قَوْلِهِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ، أيْ أنَّ ظُلْمَهم لِشِدَّتِهِ ووُقُوعِهُ بَعْدَ النَّهْيِ الشَّدِيدِ والتَّنْبِيهِ عَلى الأخْطاءِ والعِصْيانِ ظُلْمٌ لا يُغْفَرُ لِأنَّهُ اعْتِداءٌ عَلى حُقُوقِ اللَّهِ وحُقُوقِ المُسْلِمِينَ وعَلى حَقِّ الظّالِمِ نَفْسِهِ.