Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
”﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأفْواهِهِمْ واللَّهُ مُتِمٌّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ﴾“ .
اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ ناشِئٌ عَنِ الإخْبارِ عَنْهم بِأنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلى اللَّهِ الكَذِبَ في حالِ أنَّهم يُدْعَوْنَ إلى الإسْلامِ لِأنَّهُ يُثِيرُ سُؤالَ سائِلٍ عَمّا دَعاهم إلى هَذا الِافْتِراءِ. فَأُجِيبُ بِأنَّهم يُرِيدُونَ أنْ يُخْفُوا الإسْلامَ عَنِ النّاسِ ويَعُوقُوا انْتِشارَهُ ومُثِّلَتْ حالَتُهم بِحالَةِ نَفَرٍ يَبْتَغُونَ الظَّلامَ لِلتَّلَصُّصِ أوْ غَيْرِهِ مِمّا يُرادُ فِيهِ الِاخْتِفاءُ.
فَلاحَتْ لَهُ ذُبالَةُ مِصْباحٍ تُضِيءُ لِلنّاسِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وخَشُوا أنْ يَشِعَّ نُورُهُ عَلى النّاسِ فَتَفْتَضِحَ تُرَّهاتُهم، فَعَمَدُوا إلى إطْفائِهِ بِالنَّفْخِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْطَفِئْ،
صفحة ١٩٠
فالكَلامُ تَمْثِيلٌ دالٌّ عَلى حالَةِ المُمَثَّلِ لَهم. والتَّقْدِيرُ: يُرِيدُونَ عَوْقَ ظُهُورِ الإسْلامِ كَمَثَلِ قَوْمٍ يُرِيدُونَ إطْفاءَ النُّورِ، فَهَذا تَشْبِيهُ الهَيْئَةِ بِالهَيْئَةِ تَشْبِيهَ المَعْقُولِ بِالمَحْسُوسِ.ثُمَّ إنْ ما تَضَمَّنَهُ مِنَ المَحاسِنِ أنَّهُ قابِلٌ لِتَفْرِقَةِ التَّشْبِيهِ عَلى أجْزاءِ الهَيْئَةِ، فاليَهُودُ في حالِ إرادَتِهِمْ عَوْقَ الإسْلامِ عَنِ الظُّهُورِ مُشَبَّهُونَ بِقَوْمٍ يُرِيدُونَ إطْفاءَ نُورِ الإسْلامِ فَشُبِّهَ بِمِصْباحٍ. والمُشْرِكُونَ مِثْلُهم وقَدْ مُثِّلَ حالُ أهْلِ الكِتابِ بِنَظِيرِ هَذا التَّمْثِيلِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠] إلى قَوْلِهِ ﴿يُرِيدُونَ أنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأفْواهِهِمْ ويَأْبى اللَّهُ إلّا أنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ [التوبة: ٣٢] الآيَةُ في سُورَةِ بَراءَةَ، ووَصْفهِمُ القُرْآنَ بِأنَّهُ سِحْرٌ ونَحْوِ ذَلِكَ مِن تَمْوِيهاتِهِمْ، فَشُبِّهَ بِنَفْخِ النّافِخِينَ عَلى المِصْباحِ فَكانَ لِذِكْرِ (بِأفْواهِهِمْ) وقْعٌ عَظِيمٌ في هَذا التَّمْثِيلِ لِأنَّ الإطْفاءَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الأفْواهِ مِثْلِ المِرْوَحَةِ والكِيرِ، وهم أرادُوا إبْطالَ آياتِ القُرْآنِ بِزَعْمِ أنَّها مِن أقْوالِ السِّحْرِ.
وإضافَةُ ”نُورَ“ إلى اسْمِ الجَلالَةِ إضافَةُ تَشْرِيفٍ، أيْ نُورًا أوْقَدَهُ اللَّهُ، أيْ أوْجَدَهُ وقَدَّرَهُ فَما ظَنُّكم بِكَمالِهِ.
واللّامُ مِن قَوْلِهِ (لِيُطْفِئُوا) تُسَمّى اللّامَ الزّائِدَةَ، وتُفِيدُ التَّأْكِيدَ. وأصْلُها لامُ التَّعْلِيلِ، ذُكِرَتْ عِلَّةُ فِعْلِ الإرادَةِ عِوَضًا عَنْ مَفْعُولِهِ بِتَنْزِيلِ المَفْعُولِ مَنزِلَةَ العِلَّةِ.
والتَّقْدِيرُ: يُرِيدُونَ إطْفاءَ نُورِ اللَّهِ لِيُطْفِئُوا. ويَكْثُرُ وُقُوعُ هَذا اللّامِ بَعْدَ مادَّةِ الإرادَةِ ومادَّةِ الأمْرِ. وقَدْ سَمّاها بَعْضُ أهْلُ العَرَبِيَّةِ: لامَ (أنْ) لِأنَّ مَعْنى (أنْ) المَصْدَرِيَّةِ مُلازِمٌ لَها. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] في سُورَةِ النِّساءِ. فَلِذَلِكَ قِيلَ: إنَّ هَذِهِ اللّامَ بَعْدَ فِعْلِ الإرادَةِ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ.
وجُمْلَةُ ﴿واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ (يُرِيدُونَ) وهي إخْبارٌ بِأنَّهم لا يَبْلُغُونَ مُرادَهم وأنَّ هَذا الدِّينَ سَيَتِمُّ، أيْ يَبْلُغُ تَمامَ الِانْتِشارِ. وفي الحَدِيثِ «واللَّهِ لَيَتِمَّنَ هَذا الأمْرُ حَتّى يَسِيرَ الرّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لا يَخافُ إلّا اللَّهَ أوِ الذِّئْبَ عَلى غَنَمِهِ ولَكِنَّكم تَسْتَعْجِلُونَ» .
والجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ تُفِيدُ ثُبُوتَ هَذا الإتْمامِ. والتَّمامُ: هو حُصُولُ جَمِيعِ ما لِلشَّيْءِ
صفحة ١٩١
مِن كَيْفِيَّةٍ أوْ كَمِّيَّةٍ، فَتَمامُ النُّورِ: حُصُولُ أقْوى شُعاعِهِ وإتْمامُهُ إمْدادُ آلَتِهِ بِما يُقَوِّى شُعاعَهُ كَزِيادَةِ الزَّيْتِ في المِصْباحِ وإزالَةِ ما يَغْشاهُ.وجُمْلَةُ ﴿ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ﴾ حالِيَّةٌ و(لَوْ) وصْلِيَةٌ، وهي تَدُلُّ عَلى أنَّ مَضْمُونَ شَرْطِها أجْدَرُ ما يُظَنُّ أنْ لا يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِهِ مَضْمُونُ الجَوابِ. ولِذَلِكَ يُقَدِّرُ المُعْرِبُونَ قَبْلَهُ ما يَدُلُّ عَلى تَقْدِيرِ حُصُولِ الشَّرْطِ. فَيَقُولُونَ هَذا إذا لَمْ يَكُنْ كَذا بَلْ وإنْ كانَ كَذا، وهو تَقْدِيرُ مَعْنًى لا تَقْدِيرُ حَذْفٍ لِأنَّ مِثْلَ ذَلِكَ المَحْذُوفِ لا يَطَّرِدُ في كُلِّ مَوْقِعٍ فَإنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ولَوْ كُنّا صادِقِينَ﴾ [يوسف: ١٧]، إذْ لا يُقالُ: إذا كُنّا كاذِبِينَ، بَلْ ولَوْ كُنّا صادِقِينَ. وكَذَلِكَ ما في هَذِهِ الآيَةِ لِأنَّ المَعْنى: واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ عَلى فَرْضِ كَراهَةِ الكافِرِينَ، ولَمّا كانَتْ كَراهَةُ الكافِرِينَ إتْمامَ هَذا النُّورِ مُحَقَّقَةً كانَ سِياقُها في صُورَةِ الأمْرِ المَفْرُوضِ تَهَكُّمًا. وتَقَدَّمَ اسْتِعْمالُ (لَوْ) هَذِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِن أحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا ولَوِ افْتَدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
وإنَّما كانَتْ كَراهِيَةُ الكافِرِينَ ظُهُورَ نُورِ اللَّهِ حالَةً يُظَنُّ انْتِفاءُ تَمامِ النُّورِ مَعَها، لِأنَّ تِلْكَ الكَراهِيَةَ تَبْعَثُهم عَلى أنْ يَتَألَّبُوا عَلى إحْداثِ العَراقِيلِ وتَضْلِيلِ المُتَصَدِّينَ لِلِاهْتِداءِ وصَرْفِهِمْ عَنْهُ بِوُجُوهِ المَكْرِ والخَدِيعَةِ والكَيْدِ والإضْرارِ.
وشَمَلَ لَفْظُ الكافِرُونَ جَمِيعَ الكافِرِينَ بِالإسْلامِ مِنَ المُشْرِكِينَ وأهْلِ الكِتابِ وغَيْرِهِمْ.
ولَكِنْ غَلَبَ اصْطِلاحُ القُرْآنِ عَلى تَخْصِيصِ وصْفِ الكافِرِينَ بِأهْلِ الكِتابِ ومُقابَلَتِهِمْ بِالمُشْرِكِينَ أوِ الظّالِمِينَ ويَتَّجِهُ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ الِاهْتِمامُ بِذِكْرِ هَؤُلاءِ بَعْدَ لَوِ الوَصْلِيَّةِ لِأنَّ المَقامَ لِإبْطالِ مُرادِهِمْ إطْفاءَ نُورِ اللَّهِ فَإتْمامُ اللَّهِ نُورَهُ إبْطالٌ لِمُرادِهِمْ إطْفاءَهُ. وسَيَرِدُ بَعْدَ هَذا ما يُبْطِلُ مُرادَ غَيْرِهِمْ مِنَ المُعانِدِينَ وهُمُ المُشْرِكُونَ.
وقَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ (مُتِمٌّ نُورَهُ) بِتَنْوِينِ (مُتِمٌّ) ونَصْبِ (نُورَهُ) . وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ وخَلَفٌ بِدُونِ تَنْوِينٍ وجَرِّ (نُورِهِ) عَلى إضافَةِ اسْمِ الفاعِلِ عَلى مَفْعُولِهِ وكِلاهُما فَصِيحٌ.