Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ذَلِكَ بِأنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَقالُوا أبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وتَوَلَّوْا واسْتَغْنى اللَّهُ واللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ ارْتِقاءٌ في التَّعْرِيضِ إلى ضَرْبٍ مِنهُ قَرِيبٍ مِنَ الصَّرِيحِ. وهو المُسَمّى في الكِنايَةِ بِالإشارَةِ. كانَتْ مَقالَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ مُماثِلَةً لِمَقالَةِ المُخاطَبِينَ فَإذا كانَتْ هي سَبَبُ ما ذاقُوهُ مِنَ الوَبالِ فَيُوشِكُ أنْ يَذُوقَ مُماثِلُوهم في المَقالَةِ مِثْلَ ذَلِكَ الوَبالِ.
فاسْمُ الإشارَةِ عائِدٌ إلى المَذْكُورِ مِنَ الوَبالِ والعَذابِ الألِيمِ.
فَهَذا عَدٌّ لِكُفْرٍ آخَرَ مِن وُجُوهِ كُفْرِهِمْ وهو تَكْذِيبُهُمُ الرَّسُولَ ﷺ وتَكْذِيبُهم بِالقُرْآنِ فَإنَّ القُرْآنَ بَيِّنَةٌ مِنَ البَيِّناتِ لِأنَّهُ مُعْجِزَةٌ.
صفحة ٢٦٩
والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ في مَوْقِعِ العِلَّةِ. والضَّمِيرُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ لِقَصْدِ تَهْوِيلِ ما يُفَسِّرُ الضَّمِيرُ، وهو جُمْلَةُ ﴿كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ﴾ إلى آخِرِها.والِاسْتِفْهامُ في (﴿أبَشَرٌ﴾) اسْتِفْهامُ إنْكارٍ وإبْطالٍ فَهم أحالُوا أنْ يَكُونَ بَشَرٌ مِثْلُهم يَهْدُونَ بَشَرًا أمْثالَهم، وهَذا مِن جَهْلِهِمْ بِمَراتِبِ النُّفُوسِ البَشَرِيَّةِ ومَن يَصْطَفِيهِ اللَّهُ مِنها، ويَخْلُقُهُ مُضْطَلِعًا بِتَبْلِيغِ رِسالَتِهِ إلى عِبادِهِ. كَما قالَ ﴿وقالُوا ما لِهَذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي في الأسْواقِ﴾ [الفرقان: ٧] وجَهِلُوا أنَّهُ لا يَصْلُحُ لِإرْشادِ النّاسِ إلّا مَن هو مِن نَوْعِهِمْ قالَ تَعالى ﴿قُلْ لَوْ كانَ في الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٥] ولَمّا أحالُوا أنْ يَكُونَ البَشَرُ أهْلًا لِهِدايَةِ بَشَرٍ مِثْلِهِ جَعَلُوا ذَلِكَ كافِيًا في إعْراضِهِمْ عَنْ قَبُولِ القُرْآنِ والتَّدَبُّرِ فِيهِ.
والبَشَرُ: اسْمُ جِنْسٍ لِلْإنْسانِ يَصْدُقُ عَلى الواحِدِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف: ١١٠] ويُقالُ عَلى الجَمْعِ كَما هُنا. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿وقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هَذا بَشَرًا﴾ [يوسف: ٣١] في سُورَةِ يُوسُفَ وفي سُورَةِ مَرْيَمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧] .
وتَنْكِيرُ (﴿بَشَرٌ﴾ [آل عمران: ٤٧]) لِلنَّوْعِيَّةِ لِأنَّ مَحَطَّ الإنْكارِ عَلى كَوْنِهِمْ يَهْدُونَهم، وهو نَوْعُ البَشَرِيَّةِ.
وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ لِقَصْدِ تَقَوِّي حُكْمِ الإنْكارِ، وما قالُوا ذَلِكَ حَتّى اعْتَقَدُوهُ فَلِذَلِكَ أقْدَمُوا عَلى الكُفْرِ بِرُسُلِهِمْ إذْ قَدِ اعْتَقَدُوا اسْتِحالَةَ إرْسالِ اللَّهِ إيّاهم فَجَزَمُوا بِكَذِبِهِمْ في دَعْوى الرِّسالَةِ فَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ (﴿فَكَفَرُوا وتَوَلَّوْا﴾) .
والتَّوَلِّي أصْلُهُ: الِانْصِرافُ عَنِ المَكانِ الَّذِي أنْتَ فِيهِ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِلْإعْراضِ عَنْ قَبُولِ دَعْوَةِ رُسُلِهِمْ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
(﴿واسْتَغْنى﴾) غَنِيَ فالسِّينُ والتّاءُ لِلْمُبالَغَةِ كَقَوْلِهِ (﴿أمّا مَنِ اسْتَغْنى﴾ [عبس: ٥]) . والمَعْنى: غَنِيَ اللَّهُ عَنْ إيمانِهِمْ قالَ تَعالى ﴿إنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ [الزمر: ٧] .
والواوُ واوُ الحالِ، أيْ والحالُ أنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهم مِن زَمَنٍ مَضى فَإنَّ غِنى اللَّهِ عَنْ إيمانِهِمْ مُقْرَرٌ في الأزَلِ.
صفحة ٢٧٠
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ: (واسْتَغْنى اللَّهُ) عَنْ إعادَةِ دَعْوَتِهِمْ لِأنَّ فِيما أظْهَرَ لَهم مِنَ البَيِّناتِ عَلى أيْدِي رُسُلِهِمْ ما هو كافٍ لِحُصُولِ التَّصْدِيقِ بِدَعْوَةِ رُسُلِهِمْ لَوْلا المُكابَرَةُ فَلِذَلِكَ عُجِّلَ لَهم بِالعَذابِ.وعَلى الوَجْهَيْنِ فَمُتَعَلِّقُ (اسْتَغْنى) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَكَفَرُوا) . وقَوْلُهُ (بِالبَيِّناتِ) والتَّقْدِيرُ: واسْتَغْنى اللَّهُ عَنْ إيمانِهِمْ.
وجُمْلَةُ (﴿واللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾) تَذْيِيلٌ، أيْ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِيما طَلَبَ مِنهم، حَمِيدٌ لِمَنِ امْتَثَلَ وشَكَرَ.