Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ اسْتِئْنافٌ انْتُقِلَ إلَيْهِ بَعْدَ أنْ تُوُعِّدَ المُشْرِكُونَ بِما يَحْصُلُ لَهم مِنَ التَّغابُنِ يَوْمُ يَجْمَعُ اللَّهُ النّاسَ يَوْمَ الحِسابِ. ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّ تَهْدِيدَ المُشْرِكِينَ بِيَوْمِ الحِسابِ يُثِيرُ في نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ التَّساؤُلَ عَنِ الِانْتِصافِ مِنَ المُشْرِكِينَ في الدُّنْيا عَلى ما يَلْقاهُ المُسْلِمُونَ مِن إضْرارِهِمْ بِمَكَّةَ فَإنَّهم لَمْ يَكُفُّوا عَنْ أذى المُسْلِمِينَ وإصابَتِهِمْ في أبْدانِهِمْ وأمْوالِهِمْ والفِتْنَةِ بَيْنَهم وبَيْنَ أزْواجِهِمْ وأبْنائِهِمْ.
صفحة ٢٧٩
فالمُرادُ: المَصائِبُ الَّتِي أصابَتِ المُسْلِمِينَ مِن مُعامَلَةِ المُشْرِكِينَ فَأنْبَأهُمُ اللَّهُ بِما يُسَلِّيهِمْ عَنْ ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ عالِمٌ بِما يَنالُهم. وقالَ القُرْطُبِيُّ قِيلَ سَبَبُ نُزُولِها أنَّ الكُفّارَ قالُوا لَوْ كانَ ما عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ حَقًّا لَصانَهُمُ اللَّهُ عَنِ المَصائِبِ.واخْتُصَّتِ المُصِيبَةُ في اسْتِعْمالِ اللُّغَةِ بِما يَلْحَقُ الإنْسانَ مِن شَرٍّ وضُرٍّ وإنْ كانَ أصْلُ فِعْلِها يُقالُ كُلُّ ما يُصِيبُ الإنْسانَ مُطْلَقًا ولَكِنْ غَلَبَ إطْلاقُ فِعْلِ أصابَ عَلى لِحاقِ السُّوءِ، وقَدْ قِيلَ في قَوْلِهِ ﴿ما أصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وما أصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩]، أنَّ إسْنادَ الإصابَةِ إلى الحَسَنَةِ مِن قَبِيلِ المُشاكَلَةِ.
وتَأْنِيثُ المُصِيبَةِ لِتَأْوِيلِها بِالحادِثَةِ وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿أوَلَمّا أصابَتْكم مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْها﴾ [آل عمران: ١٦٥] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
والإذْنُ: أصْلُهُ إجازَةُ الفِعْلِ لِمَن يَفْعَلُهُ وأُطْلِقَ عَلى إباحَةِ الدُّخُولِ إلى البَيْتِ وإزالَةِ الحِجابِ لِأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِن أذِنَ لَهُ إذا سَمِعَ كَلامَهُ. وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِتَكْوِينِ أسْبابِ الحَوادِثِ. وهي الأسْبابُ الَّتِي تُفْضِي في نِظامِ العادَةِ إلى وُقُوعِ واقِعاتٍ، وهي مِن آثارِ صُنْعِ اللَّهِ في نِظامِ هَذا العالَمِ مِن رَبْطِ المُسَبِّباتِ بِأسْبابِها مَعَ عِلْمِهِ بِما تُفْضِي إلَيْهِ تِلْكَ الأسْبابُ فَلَمّا كانَ هو الَّذِي أوْجَدَ الأسْبابَ وأسْبابَ أسْبابِها، وكانَ قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ أُصُولًا وفُرُوعًا بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ، أُطْلِقَ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ والتَّكْوِينِ لَفْظُ الإذْنِ، والمُشابَهَةُ ظاهِرَةٌ، وهَذا في مَعْنى قَوْلِهِ ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أنْفُسِكم إلّا في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها﴾ [الحديد: ٢٢] .
ومُقْتَضى هَذِهِ الِاسْتِعارَةِ تَقْرِيبُ حَقِيقَةِ التَّقَلُّباتِ الدُّنْيَوِيَّةِ إلى عُقُولِ المُسْلِمِينَ بِاخْتِصارِ العِبارَةِ لِضِيقِ المَقامِ عَنِ الإطْنابِ في بَيانِ العِلَلِ والأسْبابِ، ولِأنَّ أكْثَرَ ذَلِكَ لا تَبْلُغُ إلَيْهِ عُقُولُ الأُمَّةِ بِسُهُولَةٍ. والقَصْدُ مِن هَذا تَعْلِيمُ المُسْلِمِينَ الصَّبْرَ عَلى ما يَغْلِبُهم مِن مَصائِبِ الحَوادِثِ لِكَيْلا تَفُلَّ عَزائِمُهم ولا يَهِنُوا ولا يُلْهِيَهُمُ الحُزْنُ عَنْ مُهِمّاتِ أُمُورِهِمْ وتَدْبِيرِ شُئُونِهِمْ كَما قالَ في سُورَةِ الحَدِيدِ (﴿لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣]) .
ولِذَلِكَ أعْقَبَهُ هُنا بِقَوْلِهِ (﴿ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾)، أيْ يَهْدِ قَلْبَهُ عِنْدَما تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَحَذَفَ هَذا المُتَعَلِّقَ لِظُهُورِهِ مِنَ السِّياقِ قالَ ( ﴿ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] ﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] .
صفحة ٢٨٠
والمَعْنى: أنَّ المُؤْمِنَ مُرْتاضٌ بِالأخْلاقِ الإسْلامِيَّةِ مُتَّبِعٌ لِوَصايا اللَّهِ تَعالى فَهو مُجافٍ لِفَسادِ الأخْلاقِ مِنَ الجَزَعِ والهَلَعِ يَتَلَقّى ما يُصِيبُهُ مِن مُصِيبَةٍ بِالصَّبْرِ والتَّفَكُّرِ في أنَّ الحَياةَ لا تَخْلُو مِن عَوارِضَ مُؤْلِمَةٍ أوْ مُكَدِّرَةٍ. قالَ تَعالى ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥] ﴿الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ﴾ [البقرة: ١٥٦] ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٧]، أيْ أصْحابَ الهُدى الكامِلِ لِأنَّهُ هُدًى مُتَلَقًّى مِنَ التَّعالِيمِ الإلَهِيَّةِ الحَقِّ المَعْصُومَةِ مِنَ الخَطَلِ كَقَوْلِهِ هُنا ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ .وهَذا الخَبَرُ في قَوْلِهِ ﴿ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ إيماءٌ إلى الأمْرِ بِالثَّباتِ والصَّبْرِ عِنْدَ حُلُولِ المَصائِبِ لِأنَّهُ يَلْزَمُ مِن هَدْيِ اللَّهِ قَلْبَ المُؤْمِنِ عِنْدَ المُصِيبَةِ تَرْغِيبُ المُؤْمِنِينَ في الثَّباتِ والتَّصَبُّرِ عِنْدَ حُلُولِ المَصائِبِ فَلِذَلِكَ ذُيِّلَ بِجُمْلَةِ ﴿واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فَهو تَذْيِيلٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها وارِدٌ عَلى مُراعاةِ جَمِيعِ ما تَضَمَّنَتْهُ مِن أنَّ المَصائِبَ بِإذْنِ اللَّهِ، ومِن أنَّ اللَّهَ يَهْدِي قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ لِلثَّباتِ عِنْدَ حُلُولِ المَصائِبِ ومِنَ الأمْرِ بِالثَّباتِ والصَّبْرِ عِنْدَ المَصائِبِ، أيْ يَعْلَمُ جَمِيعَ ذَلِكَ.
وفِيهِ كِنايَةٌ عَنْ مُجازاةِ الصّابِرِينَ بِالثَّوابِ لِأنَّ فائِدَةَ عِلْمِ اللَّهِ الَّتِي تُهِمُّ النّاسَ هو التَّخَلُّقُ ورَجاءُ الثَّوابِ ورَفْعُ الدَّرَجاتِ.