﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ .

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿وأطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [التغابن: ١٢] وجُمْلَةِ ﴿وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ .

واسْمُ الجَلالَةِ مُبْتَدَأٌ وجُمْلَةُ ﴿لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ خَبَرٌ. وهَذا تَذْكِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِما يَعْلَمُونَهُ. أيْ مَن آمَنَ بِأنَّ اللَّهَ لا إلَهَ إلّا هو كانَ حَقًّا عَلَيْهِ أنْ يُطِيعَهُ وأنْ لا يَعْبَأ

صفحة ٢٨٢

بِما يُصِيبُهُ في جانِبِ طاعَةِ اللَّهِ مِن مَصائِبَ وأذًى كَما قالَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ:

لَسْتُ أُبالِي حَيْنَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلى أيِّ جَنْبٍ كانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ في مَوْقِعِ العِلَّةِ لِجُمْلَةِ (﴿وأطِيعُوا اللَّهَ﴾ [التغابن: ١٢])، وتُفِيدُ أيْضًا تَعْلِيلَ جُمْلَةِ (﴿وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [التغابن: ١٢]) لِأنَّ طاعَةَ الرَّسُولِ تَرْجِعُ إلى طاعَةِ اللَّهِ قالَ تَعالى ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠] .

وافْتِتاحُ الجُمْلَةِ بِاسْمِ الجَلالَةِ إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ إذْ لَمْ يَقُلْ هو لا إلَهَ إلّا هو لِاسْتِحْضارِ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعالى بِما يَحْوِيهِ اسْمُ الجَلالَةِ مِن مَعانِي الكَمالِ، ولِتَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِها فَتَكُونُ جارِيَةً مَجْرى الأمْثالِ والكَلِمِ الجَوامِعِ.

* * *

﴿وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى (﴿وأطِيعُوا اللَّهَ﴾ [التغابن: ١٢]) فَهو في مَعْنى: وتَوَكَّلُوا عَلى اللَّهِ، فَإنَّ المُؤْمِنِينَ يَتَوَكَّلُونَ عَلى اللَّهِ لا عَلى غَيْرِهِ وأنْتُمْ مُؤْمِنُونَ فَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ.

وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ لِإفادَةِ الِاخْتِصاصِ، أيْ أنَّ المُؤْمِنِينَ لِا يَتَوَكَّلُونَ إلّا عَلى اللَّهِ.

وجِيءَ في ذَلِكَ بِصِيغَةِ أمْرِ المُؤْمِنِينَ بِالتَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ رَبْطًا عَلى قُلُوبِهِمْ وتَثْبِيتًا لِنُفُوسِهِمْ كَيْلا يَأْسَفُوا مِن إعْراضِ المُشْرِكِينَ وما يُصِيبُهم مِنهم وأنَّ ذَلِكَ لَنْ يَضُرَّهم.

فَإنَّ المُؤْمِنِينَ لا يَعْتَزُّونَ بِهِمْ ولا يَتَقَوَّوْنَ بِأمْثالِهِمْ، لِأنَّ اللَّهَ أمَرَهم أنْ لا يَتَوَكَّلُوا إلّا عَلَيْهِ، وفِيهِ إيذانٌ بِأنَّهم لا يُخالِفُونَ أمْرَ اللَّهِ وذَلِكَ يَغِيظُ الكافِرِينَ.

والإتْيانُ بِاسْمِ الجَلالَةِ في قَوْلِهِ ﴿وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ إظْهارٌ في مَقامِ الإضْمارِ لِتَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً فَتَسِيرَ مَسْرى المَثَلِ، ولِذَلِكَ كانَ إظْهارُ لَفْظِ (﴿المُؤْمِنُونَ﴾) ولَمْ يَقُلْ: وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلُوا، ولِما في (﴿المُؤْمِنُونَ﴾) مِنَ العُمُومِ الشّامِلِ لِلْمُخاطَبِينَ وغَيْرِهِمْ لِيَكُونَ مَعْنى التَّمْثِيلِ.