﴿إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم بِالغَيْبِ لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ كَبِيرٌ﴾ اعْتِراضٌ يُفِيدُ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا جاءَ عَلى سُنَنِ أسالِيبِ القُرْآنِ مِن تَعْقِيبِ الرَّهْبَةِ بِالرَّغْبَةِ، فَلَمّا ذَكَرَ ما أُعِدَّ لِلْكافِرِينَ المُعْرِضِينَ عَنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أعْقَبَهُ بِما أُعِدَّ لِلَّذِينِ يَخْشَوْنَ رَبَّهم بِالغَيْبِ مِنَ المَغْفِرَةِ والثَّوابِ لِلْعِلْمِ بِأنَّهم يَتَرَقَّبُونَ ما يُمَيِّزُهم عَنْ أحْوالِ المُشْرِكِينَ.

وقَدَّمَ المَغْفِرَةَ تَطْمِينًا لِقُلُوبِهِمْ؛ لِأنَّهم يَخْشَوْنَ المُؤاخَذَةَ عَلى ما فَرُطَ مِنهم مَنِ الكُفْرِ قَبْلَ الإسْلامِ ومِنَ اللَّمَمِ ونَحْوِهِ، ثُمَّ أُعْقِبَتْ بِالبِشارَةِ بِالأجْرِ العَظِيمِ، فَكانَ الكَلامُ جارِيًا عَلى قانُونِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ، أوْ تَقْدِيمِ دَفْعِ الضُّرِّ عَلى جَلْبِ النَّفْعِ، والوَصْفُ بِالكَبِيرِ بِمَعْنى العَظِيمِ نَظِيرُ ما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ ﴿إنْ أنْتُمْ إلّا في ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ [الملك: ٩] .

وتَنْكِيرُ (مَغْفِرَةٌ) لِلتَّعْظِيمِ بِقَرِينَةِ مُقارَنَتِهِ بِ (﴿أجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: ٧]) وبِقَرِينَةِ التَّقْدِيمِ، وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ عَلى المُسْنَدِ إلَيْهِ في جُمْلَةِ (﴿لَهم مَغْفِرَةٌ﴾) لِيَتَأتّى تَنْكِيرُ المُبْتَدَإ، ولِإفادَةِ الاهْتِمامِ، ولِلرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ وهي نُكَتٌ كَثِيرَةٌ.