Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿أفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ أهْدى أمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
هَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ والمُؤْمِنِينَ أوْ لِرَجُلَيْنِ: كافِرٍ ومُؤْمِنٍ، لِأنَّهُ جاءَ مُفَرَّعًا عَلى قَوْلِهِ ﴿إنِ الكافِرُونَ إلّا في غُرُورٍ﴾ [الملك: ٢٠] وقَوْلِهِ ﴿بَلْ لَجُّوا في عُتُوٍّ ونُفُورٍ﴾ [الملك: ٢١] وما اتَّصَلَ ذَلِكَ بِهِ مِنَ الكَلامِ الَّذِي سِيقَ مَساقَ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿أمَّنْ هَذا الَّذِي هو جُنْدٌ لَكُمْ﴾ [الملك: ٢٠] ﴿أمَّنْ هَذا الَّذِي يَرْزُقُكم إنْ أمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ [الملك: ٢١]، وذَلِكَ مِمّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ المُفَسِّرُونَ عَلى اخْتِلافِ مَناحِيهِمْ ولَكِنْ لَمْ يُعَرِّجْ أحَدٌ مِنهم عَلى بَيانِ كَيْفَ يَتَعَيَّنُ التَّمْثِيلُ الأوَّلُ لِلْكافِرِينَ والثّانِي لِلْمُؤْمِنِينَ حَتّى يَظْهَرَ وجْهُ إلْزامِ اللَّهِ المُشْرِكِينَ بِأنَّهم أهْلُ المَثَلِ الأوَّلِ مَثَلِ السَّوْءِ، فَإذا لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ مِنَ الهَيْئَةِ المُشَبَّهَةِ لَمْ يَتَّضِحْ إلْزامُ المُشْرِكِينَ بِأنَّ حالَهم حالُ التَّمْثِيلِ الأوَّلِ، فَيَخالُ كُلٌّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ أنَّ خَصْمَهُ هو مَضْرِبُ المَثَلِ السُّوءِ. ويَتَوَهَّمُ أنَّ الكَلامَ ورَدَ عَلى طَرِيقَةِ الكَلامِ المُنْصِفِ نَحْوُ ﴿وإنّا أوْ إيّاكم لَعَلى هُدًى أوْ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [سبإ: ٢٤] بِذَلِكَ يَنْبُو عَنْهُ المَقامُ هُنا؛ لِأنَّ الكَلامَ هُنا وارِدٌ في مَقامِ المُحاجَّةِ والاسْتِدْلالِ وهُنالِكَ في مَقامِ المُتارَكَةِ أوِ الاسْتِنْزالِ.
والَّذِي انْقَدَحَ لِي: أنَّ التَّمْثِيلَ جَرى عَلى تَشْبِيهِ حالِ الكافِرِ والمُؤْمِنِ بِحالَةِ مَشْيِ إنْسانٍ مُخْتَلِفَةٍ وعَلى تَشْبِيهِ الدِّينِ بِالطَّرِيقِ المَسْلُوكَةِ كَما يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ فَلا بُدَّ مِنِ اعْتِبارِ مَشْيِ المُكِبِّ عَلى وجْهِهِ مَشْيًا عَلى صِراطٍ مُعْوَجٍّ، وتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ في قَوْلِهِ ﴿مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ﴾ اسْتِعارَةٌ أُخْرى بِتَشْبِيهِ حالِ السّالِكِ
صفحة ٤٥
صِراطًا مُعْوَجًّا في تَأمُّلِهِ وتَرَسُّمِهِ آثارَ السَّيْرِ في الطَّرِيقِ غَيْرِ المُسْتَقِيمِ خَشْيَةَ أنْ يَضِلَّ فِيهِ، بِحالِ المُكِبِّ عَلى وجْهِهِ يَتَوَسَّمُ حالَ الطَّرِيقِ، وقَرِينَةُ ذَلِكَ مُقابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ سَوِيًّا المُشْعِرِ بِأنَّ مُكِبًّا أُطْلِقَ عَلى غَيْرِ السَّوِيِّ وهو المُنْحَنِي المُطاطِىءُ يَتَوَسَّمُ الآثارَ اللّائِحَةَ مِن آثارِ السّائِرِينَ لَعَلَّهُ يَعْرِفُ الطَّرِيقَ المُوَصِّلَةَ إلى المَقْصُودِ.فالمُشْرِكُ يَتَوَجَّهُ بِعِبادَتِهِ إلى آلِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا يَدْرِي لَعَلَّ بَعْضَها أقْوى مِن بَعْضٍ وأعْطَفَ عَلى بَعْضِ القَبائِلِ مِن بَعْضٍ، فَقَدْ كانَتْ ثَقِيفٌ يَعْبُدُونَ اللّاتَ، وكانَ الأوْسُ والخَزْرَجُ يَعْبُدُونَ مَناةَ ولِكُلِّ قَبِيلَةٍ إلَهٌ أوْ آلِهَةٌ فَتَقَّسَمُوا الحاجاتِ عِنْدَها واسْتَنْصَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِآلِهَتِهِمْ وطَمِعُوا في غَنائِها عَنْهم وهَذِهِ حالَةٌ يَعْرِفُونَها فَلا يَمْتَرُونَ في أنَهم مَضْرَبُ المَثَلِ الأوَّلِ، وكَذَلِكَ حالُ أهْلِ الإشْراكِ في كُلِّ زَمانٍ. ألا تَسْمَعُ ما حَكاهُ اللَّهُ عَنْ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِن قَوْلِهِ ﴿أأرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللَّهُ الواحِدُ القَهّارُ﴾ [يوسف: ٣٩] . ويُنَوِّرُ هَذا التَّفْسِيرَ أنَّهُ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣] وقَوْلُهُ ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أدْعُو إلى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أنا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحانَ اللَّهِ وما أنا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨]، فَقابَلَ في الآيَةِ الأُولى الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ المُشَبَّهَ بِهِ الإسْلامُ بِالسُّبُلِ المُتَفَرِّقَةِ المُشَبَّهِ بِها تَعْدادُ الأصْنامِ، وجَعَلَ في الآيَةِ الثّانِيَةِ الإسْلامَ مُشَبَّهًا بِالسَّبِيلِ وسالِكُهُ يَدْعُو بِبَصِيرَةٍ ثُمَّ قابَلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ ﴿وما أنا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: ١٠٨] .
فالآيَةُ تَشْتَمِلُ عَلى ثَلاثِ اسْتِعاراتٍ تَمْثِيلِيَّةٍ فَقَوْلُهُ ﴿يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ﴾ تَشْبِيهٌ لِحالِ المُشْرِكِينَ في تَقَسُّمِ أمْرِهِ بَيْنَ الآلِهَةِ طَلَبًا لِلَّذِي يَنْفَعُهُ مِنها الشّاكِّ في انْتِفاعِهِ بِها، بِحالِ السّائِرِ قاصِدًا أرْضًا مُعَيَّنَةً لَيْسَتْ لَها طَرِيقٌ جادَّةٌ فَهو يَتَتَبَّعُ بِنْياتِ الطَّرِيقِ المُلْتَوِيَةِ وتَلْتَبِسُ عَلَيْهِ ولا يُوقِنُ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي تُبَلِّغُ إلى مَقْصِدِهِ فَيَبْقى حائِرًا مُتَوَسِّمًا يَتَعَرَّفُ آثارَ أقْدامِ النّاسِ وأخْفافِ الإبِلِ فَيَعْلَمُ بِها أنَّ الطَّرِيقَ مَسْلُوكَةٌ أوْ مَتْرُوكَةٌ.
وفِي ضِمْنِ هَذِهِ التَّمْثِيلِيَّةِ تَمْثِيلِيَّةٌ أُخْرى مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ﴿مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ﴾ بِتَشْبِيهِ حالِ المُتَحَيِّرِ المُتَطَلَّبِ لِلْآثارِ في الأرْضِ بِحالِ المُكِبِّ عَلى وجْهِهِ في شِدَّةِ اقْتِرابِهِ مِنَ الأرْضِ.
وقَوْلُهُ ﴿مَن يَمْشِي سَوِيًّا﴾ تَشْبِيهٌ لِحالِ الَّذِي آمَنَ بِرَبٍّ واحِدٍ الواثِقُ بِنَصْرِ رَبِّهِ وتَأْيِيدِهِ وبِأنَّهُ مُصادِفٌ لِلْحَقِّ، بِحالِ الماشِي في طَرِيقٍ جادَّةٍ واضِحَةٍ لا يَنْظُرُ إلّا إلى اتِّجاهِ وجْهِهِ فَهو مُسْتَوٍ في سَيْرِهِ.
صفحة ٤٦
وقَدْ حَصَلَ في الآيَةِ إيجازُ حَذْفٍ إذِ اسْتُغْنِيَ عَنْ وصْفِ الطَّرِيقِ بِالالتِواءِ في التَّمْثِيلِ الأوَّلِ لِدَلالَةِ مُقابَلَتِهِ بِالاسْتِقامَةِ في التَّمْثِيلِ الثّانِي.والفاءُ في صَدْرِ الجُمْلَةِ لِلتَّفْرِيعِ عَلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلائِلِ والعِبَرِ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هُنا، والاسْتِفْهامُ تَقْرِيرِيٌّ.
والمُكِبُّ: اسْمُ فاعِلٍ مِن أكَبَّ، إذا صارَ ذا كَبٍّ، فالهَمْزَةُ فِيهِ أصْلُها لِإفادَةِ المَصِيرِ في الشَّيْءِ مِثْلُ هَمْزَةِ: أقْشَعَ السَّحابُ، إذا دَخَلَ في حالَةِ القَشْعِ، ومِنهُ قَوْلُهم: أنْفَضَ القَوْمُ إذا هَلَكَتْ مَواشِيهِمْ، وأرْمَلُواْ إذا فَنِيَ زادُهم، وهي أفْعالٌ قَلِيلَةٌ فِيما جاءَ فِيهِ المُجَرَّدُ مُتَعَدِّيًا والمَهْمُوزُ قاصِرًا.
و(أهْدى) مُشْتَقٌّ مِنَ الهُدى، وهو مَعْرِفَةُ الطَّرِيقِ وهو اسْمُ تَفْضِيلٍ مَسْلُوبُ المُفاضَلَةِ؛ لِأنَّ الَّذِي يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ لا شَيْءَ عِنْدَهُ مِنَ الاهْتِداءِ فَهو مِن بابِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ﴾ [يوسف: ٣٣] في قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ الأيِمَةِ. ومِثْلُ هَذا لا يَخْلُو مِن تَهَكُّمٍ أوْ تَمْلِيحٍ بِحَسَبِ المَقامِ.
والسَّوِيُّ: الشَّدِيدُ الاسْتِواءِ فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ قالَ تَعالى ﴿أهْدِكَ صِراطًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ٤٣] . و(أمْ) في قَوْلِهِ ﴿أمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا﴾ حَرْفُ عَطْفٍ وهي (أمْ) المُعادِلَةُ لِهَمْزَةِ الاسْتِفْهامِ. و(مَن) الأُولى والثّانِيَةُ في قَوْلِهِ ﴿أفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا﴾ أوْ قَوْلِهِ أمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا مَوْصُولَتانِ ومَحْمَلَهُما أنَّ المُرادَ مِنهُما فَرِيقُ المُؤْمِنِينَ وفَرِيقُ المُشْرِكِينَ وقِيلَ: أُرِيدَ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ أُرِيدَ بِالأُولى أبُو جَهْلٍ، وبِالثّانِيَةِ النَّبِيءُ ﷺ وأبُو بَكْرٍ أوْ حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.