﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهْوَ أعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾

تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ ﴿فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ﴾ [القلم: ٥] ﴿بِأيِّيكُمُ المَفْتُونُ﴾ [القلم: ٦] بِاعْتِبارِ ما تَضَمَّنَتْهُ مِنَ التَّعْرِيضِ بِأنَّ الجانِبَ المَفْتُونَ هو الجانِبُ القائِلُ لَهُ (﴿إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦]) وأنَّ ضِدَّهُ بِضِدِّهِ هو الرّاجِعُ العَقْلُ أيِ الَّذِي أخْبَرَكَ بِما كَنّى عَنْهُ قَوْلَهُ ﴿فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ﴾ [القلم: ٥] مِن أنَّهُمُ المَجانِينُ هو الأعْلَمُ بِالفَرِيقَيْنِ، وهو الَّذِي أنْبَأكَ بِأنْ سَيَتَّضِحُ الحَقُّ لِأبْصارِهِمْ فَتَعَيَّنَ أنَّ المَفْتُونَ هو الفَرِيقُ الَّذِينَ وسَمُوا النَّبِيءَ ﷺ بِأنَّهُ مَجْنُونٌ المَرْدُودُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ [القلم: ٢] إذْ هُمُ الضّالُّونَ عَنْ سَبِيلِ رَبِّ النَّبِيءِ ﷺ لا مَحالَةَ، ويَنْتَظِمُ بِالتَّدَرُّجِ مَن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هُنا أقْيِسَةُ مُساواةٍ مُنْدَرِجٌ بَعْضُها في بَعْضٍ تَقْتَضِي مُساواةَ حَقِيقَةِ مَن ضَلَّ عَنْ سُبُلِ رَبِّ النَّبِيءِ ﷺ بِحَقِيقَةِ المَفْتُونِ. ومُساواةَ حَقِيقَةِ المَفْتُونِ بِحَقِيقَةِ المَجْنُونِ، فَتُنْتِجُ أنَّ فَرِيقَ المُشْرِكِينَ هُمُ المُتَّصِفُونَ بِالجُنُونِ بِقاعِدَةِ قِياسِ المُساواةِ أنَّ مُساوِيَ المُساوِي لِشَيْءٍ مُساوٍ لِذَلِكَ الشَّيْءِ.

صفحة ٦٨

وهَذا الانْتِقالُ تَضَمَّنَ وعْدًا ووَعِيدًا، بِإضافَةِ السَّبِيلِ إلى اللَّهِ ومُقابَلَةِ مَن ضَلَّ عَنْهُ بِالمُهْتَدِينَ.

وعُمُومُ مَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وعُمُومُ المُهْتَدِينَ يَجْعَلُ هَذِهِ الجُمْلَةَ مَعَ كَوْنِها كالدَّلِيلِ هي أيْضًا مِنَ التَّذْيِيلِ.

وهُوَ بَعْدَ هَذا كُلِّهِ تَمْهِيدٌ وتَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ ﴿فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ﴾ [القلم: ٨] .