﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ مِن وصْفِ القُرْآنِ وتَنْزِيهِهِ عَلى المَطاعِنِ وتَنْزِيهِ النَّبِيءِ ﷺ عَمّا افْتَراهُ عَلَيْهِ المُشْرِكُونَ، وعَلى ما أيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ مِن ضَرْبِ المَثَلِ لِلْمُكَذِّبِينَ بِهِ بِالأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتِ الرُّسُلَ، فَأُمِرَ النَّبِيءُ ﷺ بِأنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ تَسْبِيحَ ثَناءٍ وتَعْظِيمٍ شُكْرًا لَهُ عَلى ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِن نِعْمَةِ الرِّسالَةِ وإنْزالِ هَذا القُرْآنِ عَلَيْهِ.

واسْمُ اللَّهِ هو العَلَمُ الدّالُّ عَلى الذّاتِ.

والباءُ لِلْمُصاحَبَةِ، أيْ سَبِّحِ اللَّهَ تَسْبِيحًا بِالقَوْلِ؛ لِأنَّهُ يَجْمَعُ اعْتِقادَ التَّنْزِيهِ والإقْرارَ بِهِ وإشاعَتَهُ.

والتَّسْبِيحُ: التَّنْزِيهُ عَنِ النَّقائِصِ بِالاعْتِقادِ والعِبادَةِ والقَوْلِ، فَتَعَيَّنَ أنْ يَجْرِيَ في التَّسْبِيحِ القَوْلِيِ اسْمُ المُنَزَّهِ فَلِذَلِكَ قالَ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ولَمْ يَقُلْ فَسَبِّحْ رَبَّكَ العَظِيمَ. وقَدْ تَقَدَّمَ في الكَلامِ عَلى البَسْمَلَةِ وجْهُ إقْحامِ اسْمٍ في قَوْلِهِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .

وتَسْبِيحُ المُنْعِمِ بِالاعْتِقادِ والقَوْلِ وهُما مُسْتَطاعُ شُكْرِ الشّاكِرِينَ إذْ لا يَبْلُغُ إلى شُكْرِهِ بِأقْصى مِن ذَلِكَ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وفي ضِمْنِ ذَلِكَ اسْتِمْرارُ النَّبِيءِ ﷺ عَلى أداءِ رِسالَتِهِ وإبْلاغِها. ورُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ «اجْعَلُوها في رُكُوعِكم» واسْتَحَبَّ التِزامَ ذَلِكَ جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ، وكَرِهَ مالِكٌ التِزامَ ذَلِكَ لِئَلّا يُعَدَّ واجِبًا فَرْضًا اهـ.

وتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ في آخِرِ سُورَةِ الواقِعَةِ.

* * *

صفحة ١٥٢

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ المَعارِجِ

سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ في كُتُبِ السُّنَّةِ وفي صَحِيحِ البُخارِيِّ وجامِعِ التِّرْمِذِيِّ، وفي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ وابْنِ عَطِيَّةَ وابْنِ كَثِيرٍ (سُورَةُ سَألَ سائِلٌ) . وكَذَلِكَ رَأيْتُها في بَعْضِ المَصاحِفِ المَخْطُوطَةِ بِالخَطِّ الكُوفِيِّ بِالقَيْرَوانِ في القَرْنِ الخامِسِ.

وسُمِّيَتْ في مُعْظَمِ المَصاحِفِ المَشْرِقِيَّةِ والمَغْرِبِيَّةِ وفي مُعْظَمِ التَّفاسِيرِ (سُورَةُ المَعارِجِ) . وذَكَرَ في الإتْقانِ أنَّها تُسَمّى (سُورَةُ الواقِعِ) .

وهَذِهِ الأسْماءُ الثَّلاثَةُ مُقْتَبَسَةٌ مِن كَلِماتٍ وقَعَتْ في أوَّلِها، وأخَصُّها بِها جُمْلَةُ (سَألَ سائِلٍ) لِأنَّها لَمْ يَرِدْ مِثْلُها في غَيْرِها مِن سُوَرِ القُرْآنِ إلّا أنَّها غَلَبَ عَلَيْها اسْمُ (سُورَةُ المَعارِجِ) لِأنَّهُ أخَفُّ.

وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالاتِّفاقِ. وشَذَّ مَن ذَكَرَ أنَّ آيَةَ ﴿والَّذِينَ في أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ [المعارج: ٢٤] مَدَنِيَّةٌ.

صفحة ١٥٣

وهِيَ السُّورَةُ الثّامِنَةُ والسَّبْعُونَ في عِدادِ نُزُولِ سُوَرِ القُرْآنِ، عِنْدَ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الحاقَّةِ وقَبْلَ سُورَةِ النَّبَأِ.

وعَدَّ جُمْهُورُ الأمْصارِ آيَها أرْبَعًا وأرْبَعِينَ. وعَدَّها أهْلُ الشّامِ ثَلاثًا وأرْبَعِينَ.

* * *

أغْراضُها:

حَوَتْ مِنَ الأغْراضِ تَهْدِيدَ الكافِرِينَ بِعَذابِ يَوْمِ القِيامَةِ، وإثْباتَ ذَلِكَ اليَوْمِ ووَصْفَ أهْوالِهِ.

ووَصْفَ شَيْءٍ مِن جَلالِ اللَّهِ فِيهِ، وتَهْوِيلَ دارِ العَذابِ وهي جَهَنَّمُ. وذِكْرَ أسْبابِ اسْتِحْقاقِ عَذابِها.

ومُقابَلَةَ ذَلِكَ بِأعْمالِ المُؤْمِنِينَ الَّتِي أوْجَبَتْ لَهم دارَ الكَرامَةِ وهي أضْدادُ صِفاتِ الكافِرِينَ.

وتَثْبِيتَ النَّبِيءِ ﷺ . وتَسْلِيَتَهُ عَلى ما يَلْقاهُ مِنَ المُشْرِكِينَ.

ووَصْفَ كَثِيرٍ مِن خِصالِ المُسْلِمِينَ الَّتِي بَثَّها الإسْلامُ فِيهِمْ، وتَحْذِيرَ المُشْرِكِينَ مِنِ اسْتِئْصالِهِمْ وتَبْدِيلِهِمْ بِخَيْرٍ مِنهم.