﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ اعْتِراضٌ لِبَيانِ أنَّ المَعارِجَ مَنازِلٌ مِنَ الرِّفْعَةِ الاعْتِبارِيَّةِ تَرْتَقِي فِيها المَلائِكَةُ ولَيْسَتْ مَعارِجَ يُعْرَجُ إلَيْهِ فِيها، أيْ فَهي مَعارِجٌ جَعَلَها اللَّهُ لِلْمَلائِكَةِ فَقُرِّبَ بِها مِن مَنازِلِ التَّشْرِيفِ، فاللَّهُ مُعْرَجُ إلَيْهِ بِإذْنِهِ لا عارِجٌ، وبِذَلِكَ الجَعْلِ وُصِفَ اللَّهُ بِأنَّهُ صاحِبُها، أيْ جاعِلُها، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى (ذُو العَرْشِ) .

والرُّوحُ: هو جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - المُوَكَّلُ بِإبْلاغِ إرادَةِ اللَّهِ تَعالى وإذْنِهِ، وتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ لِتَمْيِيزِهِ بِالفَضْلِ عَلى المَلائِكَةِ. ونَظِيرُ هَذا قَوْلُهُ ﴿تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيها﴾ [القدر: ٤] أيْ في لَيْلَةِ القَدْرِ.

والرُّوحُ: يُطْلَقُ عَلى ما بِهِ حَياةُ الإنْسانِ وتَصْرِيفُ أعْمالِهِ وهو المَذْكُورُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥] . فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِمّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ﴾، أيْ أرْواحُ أهْلِ الجَنَّةِ عَلى اخْتِلافِ دَرَجاتِها في المَعارِجِ.

وهَذا العُرُوجُ كائِنٌ يَوْمَ القِيامَةِ وهو اليَوْمُ الَّذِي مِقْدارُهُ خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ.

وهَذِهِ تَقْرِيباتٌ لِنِهايَةِ عَظَمَةِ تِلْكَ المَنازِلِ وارْتِقاءِ أهْلِ العالَمِ الأشْرَفِ إلَيْها وعَظَمَةِ يَوْمِ وُقُوعِها.

وضَمِيرُ (إلَيْهِ) عائِدٌ إلى اللَّهِ عَلى تَأْوِيلِ مُضافٍ عَلى طَرِيقَةِ تَعَلُّقِ بَعْضِ الأفْعالِ بِالذَّواتِ، والمُرادُ أحْوالُها مِثْلُ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] أيْ أكْلُها و﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ يَتَنازَعُ تَعَلُّقَهُ كُلٌّ مِن قَوْلِهِ (واقِعٍ) وقَوْلِهِ (تَعْرُجُ) .