﴿حَتّى إذا رَأوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَن أضْعَفُ ناصِرًا وأقَلُّ عَدَدًا﴾ كانُوا إذا سَمِعُوا آياتِ الوَعْدِ بِنَصْرِ الرَّسُولِ ﷺ والمُسْلِمِينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وآياتِ الوَعِيدِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالِانْهِزامِ وعَذابِ الآخِرَةِ وعَذابِ الدُّنْيا اسْتَسْخَرُوا مِن ذَلِكَ وقالُوا: وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، ويَقُولُونَ: مَتى هَذا الفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، ويَقُولُونَ: مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، وقالُوا: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ، فَهم مَغْرُورُونَ بِالِاسْتِدْراجِ والإمْهالِ فَلِذَلِكَ عَقَّبَ وعِيدَهم بِالغايَةِ المُفادَةِ مِن (حَتّى)، فالغايَةُ هُنا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ مِن سُخْرِيَةِ الكُفّارِ مِنَ الوَعِيدِ واسْتِضْعافِهِمُ المُسْلِمِينَ في العَدَدِ والعُدَدِ، فَإنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنهُ أنَّهم لا يَزالُونَ يَحْسَبُونَ أنَّهم غالِبُونَ فائِزُونَ حَتّى إذا رَأوْا ما يُوعَدُونَ تَحَقَّقُوا إخْفاقَ آمالِهِمْ.

و(حَتّى) هُنا ابْتِدائِيَّةٌ وكُلَّما دَخَلَتْ (حَتّى) في جُمْلَةٍ مُفْتَتَحَةٍ بِـ (إذا) فَـ (حَتّى)

صفحة ٢٤٦

لِلِابْتِداءِ وما بَعْدَها جُمْلَةٌ ابْتِدائِيَّةٌ. وذَهَبَ الأخْفَشُ وابْنُ مالِكٍ إلى أنَّ (حَتّى) في مِثْلِهِ جارَّةٌ وأنَّ (إذا) في مَحَلِّ جَرٍّ ولَيْسَ بِبَعِيدٍ.

واعْلَمْ أنَّ ”حَتّى“ لا يُفارِقُها مَعْنى الغايَةِ كَيْفَما كانَ عَمَلُ ”حَتّى“ .

و(إذا) اسْمُ زَمانٍ لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنٌ مَعْنى الشَّرْطِ وهو في مَحَلِّ نَصْبٍ بِالفِعْلِ الَّذِي في جَوابِهِ وهو فَسَيَعْلَمُونَ.

وعَلى رَأْيِ الأخْفَشِ وابْنِ مالِكٍ (إذا) في مَحَلِّ جَرٍّ بِـ (حَتّى) . واقْتِرانُ جُمْلَةِ سَيَعْلَمُونَ بِالفاءِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ (إذا) ضُمِّنَ مَعْنى الشَّرْطِ، واقْتِرانُ الجَوابِ بِسِينِ الِاسْتِقْبالِ يَصْرِفُ الفِعْلَ الماضِيَ بَعْدَ (إذا) إلى زَمَنِ الِاسْتِقْبالِ. وجِيءَ بِالجُمْلَةِ المُضافِ إلَيْها (إذا) فِعْلًا ماضِيًا لِلتَّنْبِيهِ عَلى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ.

وفِعْلُ (سَيَعْلَمُونَ) مُعَلَّقٌ عَنِ العَمَلِ بِوُقُوعِ الِاسْتِفْهامِ بَعْدَهُ وهو اسْتِعْمالٌ كَثِيرٌ في التَّعْلِيقِ؛ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ بِما فِيهِ مِنَ الإبْهامِ يَكُونُ كِنايَةً عَنِ الغَرابَةِ بِحَيْثُ يَسْألُ النّاسُ عَنْ تَعْيِينِ الشَّيْءِ بَعْدَ البَحْثِ عَنْهُ.

وضَعْفُ النّاصِرِ وهَنٌ لَهم مِن جِهَةِ وهَنِ أنْصارِهِمْ، وقِلَّةُ العَدَدِ وهَنٌ لَهم مِن جانِبِ أنْفُسِهِمْ، وهَذا وعِيدٌ لَهم بِخَيْبَةِ غُرُورِهِمْ بِالأمْنِ مِن غَلَبِ المُسْلِمِينَ في الدُّنْيا فَإنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. وقالُوا: نَحْنُ أكْثَرُ أمْوالًا وأوْلادًا.