Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتًا﴾ ﴿أحْياءً وأمْواتًا﴾ ﴿وجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وأسْقَيْناكم ماءً فُراتًا﴾
جاءَ هَذا التَّقْرِيرُ عَلى سُنَنٍ سابِقِيهِ في عَدَمِ العَطْفِ لِأنَّهُ عَلى طَرِيقَةِ التَّكْرِيرِ لِلتَّوْبِيخِ، وهو تَقْرِيرٌ لَهم بِما أنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِن خَلْقِ الأرْضِ بِما فِيها مِمّا فِيهِ مَنافِعُهم كَما قالَ تَعالى (﴿مَتاعًا لَكم ولِأنْعامِكُمْ﴾ [النازعات: ٣٣]) .
ومَحَلُّ الِامْتِنانِ هو قَوْلُهُ أحْياءً، وأمّا قَوْلُهُ وأمْواتًا فَتَتْمِيمٌ وإدْماجٌ.
وكِفاتٌ: اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُكْفَتُ فِيهِ، أيْ يُجْمَعُ ويُضَمُّ فِيهِ، فَهو اسْمٌ جاءَ عَلى صِيغَةِ الفِعالِ مِن كَفَتَ، إذا جَمَعَ، ومِنهُ سُمِّي الوِعاءُ: كِفاتًا، كَما سُمِّيَ ما يَعِي الشَّيْءَ: وِعاءً، وما يَضُمُّ الشَّيْءَ: الضِّمامَ.
و”أحْياءً“ مَفْعُولُ ”كِفاتًا“ لِأنَّ (كِفاتًا) فِيهِ مَعْنى الفِعْلِ كَأنَّهُ قِيلَ كافِتَةً أحْياءً. وقَدْ يَقُولُونَ: مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ كِفاتًا وكُلُّ ذَلِكَ مُتَقارِبٌ.
صفحة ٤٣٣
وأمْواتًا عُطِفَ عَلَيْهِ وهو إدْماجٌ وتَتْمِيمٌ لِأنَّ فِيهِ مُشاهَدَةَ المُلازَمَةِ بَيْنَ الأحْياءِ والأمْواتِ تَدُلُّ عَلى أنَّ الحَياةَ هي المَقْصُودُ مِنَ الخِلْقَةِ.وهَذا تَقْرِيرٌ لَهم بِالِاعْتِرافِ بِالأحْوالِ المُشاهَدَةِ في الأرْضِ الدّالَّةِ عَلى تَفَرُّدِ اللَّهِ تَعالى بِالإلَهِيَّةِ.
وتَنْوِينُ (﴿أحْياءً وأمْواتًا﴾) لِلتَّعْظِيمِ مُرادًا بِهِ التَّكْثِيرُ ولِذَلِكَ لَمْ يُؤْتَ بِهِما مُعَرَّفَيْنِ بِاللّامِ، وفائِدَةُ ذِكْرِ هَذَيْنِ الجَمْعَيْنِ ما في مَعْنَيَيْهِما مِنَ التَّذْكِيرِ بِالحَياةِ والمَوْتِ.
وقَدْ تَصَدّى الكَلامُ لِإثْباتِ البَعْثِ بِشَواهِدَ ثَلاثَةٍ:
أحَدُها: بِحالِ الأُمَمِ البائِدَةِ في انْقِراضِها.
الثّانِي: بِحالِ تَكْوِينِ الإنْسانِ.
الثّالِثُ: مَصِيرُ الكُلِّ إلى الأرْضِ وفي كُلِّ ذَلِكَ إبْطالٌ لِإحالَتِهِمْ وُقُوعَ البَعْثِ لِأنَّهم زَعَمُوا اسْتِحالَتَهُ فَأُبْطِلَتْ دَعْواهم بِإثْباتِ إمْكانِ البَعْثِ فَإنَّهُ إذْ ثَبَتَ الإمْكانُ بَطُلَتِ الِاسْتِحالَةُ فَلَمْ يُبْقَ إلّا النَّظَرُ في أدِلَّةِ تَرْجِيحِ وُقُوعِ ذَلِكَ المُمْكِنِ.
وفِي الآيَةِ امْتِنانٌ يَجْعَلُ الأرْضَ صالِحَةً لِدَفْنِ الأمْواتِ، وقَدْ ألْهَمَ اللَّهُ لِذَلِكَ ابْنَ آدَمَ حِينَ قَتَلَ أخاهُ كَما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في سُورَةِ المائِدَةِ، فَيُؤْخَذُ مِنَ الآيَةِ وُجُوبُ الدَّفْنِ في الأرْضِ إلّا إذا تَعَذَّرَ ذَلِكَ كالَّذِي يَمُوتُ في سَفِينَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ مَراسِي الأرْضِ أوْ لا تَسْتَطِيعُ الإرْساءَ، أوْ كانَ الإرْساءُ يَضُرُّ بِالرّاكِبِينَ أوْ يُخافُ تَعَفُّنُ الجُثَّةِ فَإنَّها يُرْمى بِها في البَحْرِ وتُثَقَّلُ بِشَيْءٍ لِتَرْسُبَ إلى غَرِيقِ الماءِ. وعَلَيْهِ فَلا يَجُوزُ إحْراقُ المَيِّتِ كَما يَفْعَلُ مَجُوسُ الهِنْدِ، وكانَ يَفْعَلُهُ بَعْضُ الرُّومانِ، ولا وضْعُهُ لِكَواسِرِ الطَّيْرِ كَما كانَ يَفْعَلُ مَجُوسُ الفُرْسِ، وكانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَتَمَدَّحُونَ بِالمَيِّتِ الَّذِي تَأْكُلُهُ السِّباعُ أوِ الضِّباعُ وهو الَّذِي يَمُوتُ قَتِيلًا في فَلاةٍ، قالَ تَأبَّطَ:
لا تَدْفِنُونِي إنَّ دَفْنِي مُـحَـرَّمٌ عَلَيْكم ولَكِنْ خامِرِي أُمَّ عامِرِ
وهَذا مِن جَهالَةِ الجاهِلِيَّةِ وكُفْرانِ النِّعْمَةِ.واحْتَجَّ ابْنُ القاسِمِ مِن أصْحابِ مالِكٍ بِهَذِهِ الآيَةِ لِكَوْنِ القَبْرِ حِرْزًا فَأوْجَبَ
صفحة ٤٣٤
القَطْعَ عَلى مَن سَرَقَ مِنَ القَبْرِ كَفَنًا أوْ ما يَبْلُغُ رُبْعَ دِينارٍ، وقالَ مالِكُ: القَبْرُ حِوَزٌ لِلْمَيِّتِ كَما أنَّ البَيْتَ حِوَزٌ لِلْحَيِّ.وفِي مَفاتِيحِ الغَيْبِ عَنْ تَفْسِيرِ القَفّالِ: أنَّ رَبِيعَةَ اسْتَدَلَّ بِها عَلى ذَلِكَ.
والرَّواسِي: جَمْعُ رَأْسٍ، أيْ جِبالًا رَواسِي، أيْ ثَوابِتَ في الأرْضِ قالَ السَّمَوْألُ:
رَسا أصْلُهُ تَحْتَ الثَّرى وسَما بِهِ ∗∗∗ إلى النَّجْمِ فَرْعٌ لا يُنالُ طَـوِيلُ
وجُمِعَ عَلى فَواعِلَ لِوُقُوعِهِ صِفَةً لِمُذَكَّرٍ غَيْرِ عاقِلٍ وهَذا امْتِنانٌ بِخَلْقِ الجِبالِ لِأنَّهم كانُوا يَأْوُونَ إلَيْها ويَنْتَفِعُونَ بِما فِيها مِن كَلَأٍ وشَجَرٍ قالَ تَعالى (﴿والجِبالَ أرْساها مَتاعًا لَكم ولِأنْعامِكُمْ﴾ [النازعات: ٣٢]) .والشّامِخاتُ: المُرْتَفَعاتُ.
وعُطِفَ (﴿وأسْقَيْناكم ماءً فُراتًا﴾) لِمُناسَبَةِ ذِكْرِ الجِبالِ لِأنَّها تَنْحَدِرُ مِنها المِياهُ تَجْرِي في أسافِلِها وهي الأوْدِيَةُ وتُقِرُّ في قَراراتٍ وحِياضٍ وبُحَيْراتٍ.
والفُراتُ: العَذْبُ وهو ماءُ المَطَرِ.
وتَنْوِينُ (شامِخاتٍ) و(﴿ماءً فُراتًا﴾) لِلتَّعْظِيمِ لِدَلالَةِ ذَلِكَ عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ.