Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿إنّا أنْذَرْناكم عَذابًا قَرِيبًا﴾
اعْتِراضٌ بَيْنَ ﴿مَآبًا﴾ [النبإ: ٣٩] وبَيْنَ ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ كَيْفَما كانَ مَوْقِعُ ذَلِكَ الظَّرْفِ حَسْبَما يَأْتِي.
والمَقْصُودُ مِن هَذِهِ الجُمْلَةِ الإعْذارُ لِلْمُخاطَبِينَ بِقَوارِعِ هَذِهِ السُّورَةِ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهم وبَيْنَ العِلْمِ بِأسْبابِ النَّجاةِ وضِدِّها شُبْهَةٌ ولا خَفاءٌ.
فالخَبَرُ وهو ﴿إنّا أنْذَرْناكم عَذابًا قَرِيبًا﴾ مُسْتَعْمَلٌ في قَطْعِ العُذْرِ ولَيْسَ مُسْتَعْمَلًا في إفادَةِ الحُكْمِ؛ لِأنَّ كَوْنَ ما سَبَقَ إنْذارًا أمْرٌ مَعْلُومٌ لِلْمُخاطَبِينَ، وافْتُتِحَ الخَبَرُ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلْمُبالَغَةِ في الإعْذارِ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنزِلَةَ مَن يَتَرَدَّدُ في ذَلِكَ.
وجُعِلَ المُسْنَدُ فِعْلًا مُسْنَدًا إلى الضَّمِيرِ المُنْفَصِلِ لِإفادَةٍ تُقَوِّي الحُكْمَ، مَعَ تَمْثِيلِ المُتَكَلِّمِ في مَثَلِ المُتَبَرِّيءِ مِن تَبِعَةِ ما عَسى أنْ يَلْحَقَ المُخاطَبِينَ مِن ضُرٍّ إنْ لَمْ يَأْخُذُوا حِذْرَهم مِمّا أنْذَرَهم بِهِ، كَما يَقُولُ النَّذِيرُ عِنْدَ العَرَبِ بَعْدَ الإنْذارِ بِالعَدُوِّ أنا النَّذِيرُ العُرْيانُ.
والإنْذارُ: الإخْبارُ بِحُصُولِ ما يَسُوءُ في مُسْتَقْبَلٍ قَرِيبٍ.
وعُبِّرَ عَنْهُ بِالمُضِيِّ؛ لِأنَّ أعْظَمَ الإنْذارِ قَدْ حَصَلَ بِما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ:
صفحة ٥٦
﴿إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا﴾ [النبإ: ٢١] ﴿لِلطّاغِينَ مَآبًا﴾ [النبإ: ٢٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿فَلَنْ نَزِيدَكم إلّا عَذابًا﴾ [النبإ: ٣٠] .وقُرْبُ العَذابِ مُسْتَعْمَلٌ مَجازًا في تَحَقُّقِهِ، وإلّا فَإنَّهُ بِحَسَبِ العُرْفِ بَعِيدٌ، قالَ تَعالى: ﴿إنَّهم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ونَراهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: ٦]، أيْ: لِتَحَقُّقِهِ فَهو كالقَرِيبِ عَلى أنَّ العَذابَ يُصَدَّقُ بِعَذابِ الآخِرَةِ وهو ما تَقَدَّمَ الإنْذارُ بِهِ، ويُصَدَّقُ بِعَذابِ الدُّنْيا مِنَ القَتْلِ والأسْرِ في غَزَواتِ المُسْلِمِينَ لِأهْلِ الشِّرْكِ. وعَنْ مُقاتِلٍ: هو قَتْلُ قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ. ويَشْمَلُ عَذابَ يَوْمِ الفَتْحِ ويَوْمِ حُنَيْنٍ، كَما ورَدَ لَفْظُ العَذابِ لِذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ﴾ [التوبة: ١٤] وقَوْلِهِ: ﴿وإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] .
* * *
﴿يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ويَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا﴾يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ ﴿اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ مَآبًا﴾ [النبإ: ٣٩] فَيَكُونُ ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ﴾ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِ (أنْذَرْناكم) .
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والمَلائِكَةُ صَفًّا﴾ [النبإ: ٣٨] لِأنَّ قِيامَ المَلائِكَةِ صَفًّا حُضُورٌ لِمُحاسَبَةِ النّاسِ وتَنْفِيذِ فَصْلِ القَضاءِ عَلَيْهِمْ، وذَلِكَ حِينَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ، أيْ: ما عَمِلَهُ سالِفًا، فَهو بَدَلٌ مِنَ الظَّرْفِ تابِعٌ لَهُ في مَوْقِعِهِ.
وعَلى كِلا الوَجْهَيْنِ فَجُمْلَةُ ﴿إنّا أنْذَرْناكم عَذابًا قَرِيبًا﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الظَّرْفِ ومُتَعَلِّقِهِ، أوْ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما أُبْدِلَ مِنهُ.
والمَرْءُ: اسْمٌ لِلرَّجُلِ؛ إذْ هو اسْمٌ مُؤَنَّثُهُ امْرَأةٌ.
والِاقْتِصارُ عَلى المَرْءِ جَرى عَلى غالِبِ اسْتِعْمالِ العَرَبِ في كَلامِهِمْ، فالكَلامُ خَرَجَ مَخْرَجَ الغالِبِ في التَّخاطُبِ؛ لِأنَّ المَرْأةَ كانَتْ بِمَعْزِلٍ عَنِ المُشارَكَةِ في شُؤُونِ ما كانَ خارِجَ البَيْتِ.
والمُرادُ: يَنْظُرُ الإنْسانُ مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى، ما قَدَّمَتْ يَداهُ. وهَذا يُعْلَمُ مِنَ اسْتِقْراءِ الشَّرِيعَةِ الدّالِّ عَلى عُمُومِ التَّكالِيفِ لِلرِّجالِ والنِّساءِ إلّا ما خُصَّ مِنها بِأحَدِ الصِّنْفَيْنِ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ هو المُسْتَحْضَرُ في أذْهانِ المُتَخاطِبِينَ عِنْدَ التَّخاطُبِ.
صفحة ٥٧
وتَعْرِيفُ (المَرْءُ) لِلِاسْتِغْراقِ مِثْلَ: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢] ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [العصر: ٣] .وفِعْلُ (يَنْظُرُ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن نَظَرِ العَيْنِ أيِ: البَصَرِ، والمَعْنى: يَوْمَ يَرى المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ. ومَعْنى نَظَرِ المَرْءِ ما قَدَّمَتْ يَداهُ: حُصُولُ جَزاءِ عَمَلِهِ لَهُ، فَعُبِّرَ عَنْهُ بِالنَّظَرِ؛ لِأنَّ الجَزاءَ لا يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا لِصاحِبِهِ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، فَإطْلاقُ النَّظَرِ هُنا عَلى الوِجْدانِ عَلى وجْهِ المَجازِ المُرْسَلِ بِعَلاقَةِ الإطْلاقِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيُرَوْا أعْمالَهُمْ﴾ [الزلزلة: ٦]، وقَدْ جاءَتِ الحَقِيقَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران: ٣٠] الآيَةَ. و(ما) مَوْصُولَةٌ، صِلَتُها جُمْلَةُ ﴿قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ .
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن نَظَرِ الفِكْرِ، وأصْلُهُ مَجازٌ شاعَ حَتّى لَحِقَ بِالمَعانِي الحَقِيقِيَّةِ كَما يُقالُ: هو بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، ومِنهُ التَّنَظُّرُ: تَوَقُّعُ الشَّيْءِ، أيْ: يَوْمَ يَتَرَقَّبُ ويَتَأمَّلُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ، وتَكُونُ (ما) عَلى هَذا الوَجْهِ اسْتِفْهامِيَّةً، وفِعْلُ (يَنْظُرُ) مُعَلَّقًا عَنِ العَمَلِ بِسَبَبِ الِاسْتِفْهامِ، والمَعْنى: يَنْظُرُ المَرْءُ جَوابَ مَن يَسْألُ: ما قَدَّمَتْ يَداهُ ؟ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ الِانْتِظارِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف: ٥٣] .
وتَعْرِيفُ (المَرْءُ) تَعْرِيفُ الجِنْسِ المُفِيدِ لِلِاسْتِغْراقِ.
والتَّقْدِيمُ: تَسْبِيقُ الشَّيْءِ والِابْتِداءُ بِهِ.
و﴿ما قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ هو ما أسْلَفَهُ مِنَ الأعْمالِ في الدُّنْيا مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ فَلا يَخْتَصُّ بِما عَمِلَهُ مِنَ السَّيِّئاتِ، فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ مُحْضَرًا وما عَمِلَتْ مِن سُوءٍ﴾ [آل عمران: ٣٠] الآيَةَ.
وقَوْلُهُ: ﴿ما قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ إمّا مَجازٌ مُرْسَلٌ بِإطْلاقِ اليَدَيْنِ عَلى جَمِيعِ آلاتِ الأعْمالِ، وإمّا أنْ يَكُونَ بِطَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ بِتَشْبِيهِ هَيْئَةِ العامِلِ لِأعْمالِهِ المُخْتَلِفَةِ بِهَيْئَةِ الصّانِعِ لِلْمَصْنُوعاتِ بِيَدَيْهِ، كَما قالُوا في المَثَلِ: ”يَداكَ أوْكَتا“ ولَوْ كانَ ذَلِكَ عَلى قَوْلٍ بِلِسانِهِ أوْ مَشْيٍ بِرِجْلَيْهِ.
صفحة ٥٨
ولا يَحْسُنُ أنْ يُجْعَلَ ذِكْرُ اليَدَيْنِ مِنَ التَّغْلِيبِ؛ لِأنَّ خُصُوصِيَّةَ التَّغْلِيبِ دُونَ خُصُوصِيَّةِ التَّمْثِيلِيَّةِ.وشَمِلَ ﴿ما قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ الخَيْرَ والشَّرَّ.
وخُصَّ بِالذِّكْرِ مِن عُمُومِ المَرْءِ الإنْسانُ الكافِرُ الَّذِي يَقُولُ: ﴿يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا﴾؛ لِأنَّ السُّورَةَ أُقِيمَتْ عَلى إنْذارِ مُنْكِرِي البَعْثِ فَكانَ ذَلِكَ وجْهَ تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ، أيْ: يَوْمَ يَتَمَنّى الكافِرُ أنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مِنَ الأحْياءِ فَضْلًا عَنْ أصْحابِ العُقُولِ المُكَلَّفِينَ بِالشَّرائِعِ، أيْ: يَتَمَنّى أنْ يَكُونَ غَيْرَ مُدْرِكٍ ولا حَسّاسٍ بِأنْ يَكُونَ أقَلَّ شَيْءٍ مِمّا لا إدْراكَ لَهُ وهو التُّرابُ، وذَلِكَ تَلَهُّفٌ وتَنَدُّمٌ عَلى ما قَدَّمَتْ يَداهُ مِنَ الكُفْرِ.
وقَدْ كانُوا يَقُولُونَ: (أإذا كُنّا تُرابًا ورُفاتًا إنّا لَمَبْعُوثُونَ) فَجَعَلَ اللَّهُ عِقابَهم بِالتَّحَسُّرِ وتَمَنِّي أنْ يَكُونُوا مِن جِنْسِ التُّرابِ.
وذِكْرُ وصْفِ الكافِرِ يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ المُؤْمِنَ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ المُؤْمِنَ وإنْ عَمِلَ بَعْضَ السَّيِّئاتِ وتَوَقَّعَ العِقابَ عَلى سَيِّئاتِهِ، فَهو يَرْجُو أنْ تَكُونَ عاقِبَتُهُ إلى النَّعِيمِ، وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران: ٣٠] وقالَ: ﴿لِيُرَوْا أعْمالَهُمْ﴾ [الزلزلة: ٦] ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] ﴿ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٨]، فالمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ ثَوابَ الإيمانِ وهو أعْظَمُ ثَواب - وثَوابُ حَسَناتِهِمْ عَلى تَفاوُتِهِمْ فِيها - ويَرْجُونَ المَصِيرَ إلى ذَلِكَ الثَّوابِ وما يَرَوْنَهُ مِن سَيِّئاتِهِمْ لا يَطْغى عَلى ثَوابِ حَسَناتِهِمْ، فَهم كُلُّهم يَرْجُونَ المَصِيرَ إلى النَّعِيمِ، وقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ لَهم أوْ لِمَن يُقارِبُهم مَثَلًا بِقَوْلِهِ: ﴿وعَلى الأعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهم ونادَوْا أصْحابَ الجَنَّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكم لَمْ يَدْخُلُوها وهم يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦] عَلى ما في تَفْسِيرِها مِن وُجُوهٍ.
وهَذِهِ الآيَةُ جامِعَةٌ لِما جاءَ في السُّورَةِ مِن أحْوالِ الفَرِيقَيْنِ، وفي آخِرِها رَدُّ العَجُزِ عَلى الصَّدْرِ مِن ذِكْرِ أحْوالِ الكافِرِينَ الَّذِينَ عُرِّفُوا بِالطّاغِينَ، وبِذَلِكَ كانَ خِتامُ السُّورَةِ بِها بَراعَةَ مَقْطَعٍ.
* * *
صفحة ٥٩
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِسُورَةُ النّازِعاتِ
سُمِّيَتْ في المَصاحِفِ وأكْثَرِ التَّفاسِيرِ (سُورَةَ النّازِعاتِ) بِإضافَةِ سُورَةٍ إلى النّازِعاتِ بِدُونِ واوٍ، جُعِلَ لَفْظُ (النّازِعاتِ) عَلَمًا عَلَيْها لِأنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ في غَيْرِها. وعُنْوِنَتْ في كِتابِ التَّفْسِيرِ مِن صَحِيحِ البُخارِيِّ وفي كَثِيرٍ مِن كُتُبِ المُفَسِّرِينَ بِسُورَةِ (والنّازِعاتِ) بِإثْباتِ الواوِ عَلى حِكايَةِ أوَّلِ ألْفاظِها.
وقالَ سَعْدُ اللَّهِ الشَّهِيرُ بِسَعْدِي، والخَفاجِيُّ: إنَّها تُسَمّى (سُورَةَ السّاهِرَةِ) لِوُقُوعِ لَفْظِ السّاهِرَةِ في أثْنائِها ولَمْ يَقَعْ في غَيْرِها مِنَ السُّوَرِ.
وقالا: تُسَمّى سُورَةَ الطّامَّةِ. أيْ: لِوُقُوعِ لَفْظِ الطّامَّةِ فِيها ولَمْ يَقَعْ في غَيْرِها، ولَمْ يَذْكُرْها في الإتْقانِ في عِدادِ السُّوَرِ الَّتِي لَها أكْثَرُ مِنَ اسْمٍ.
ورَأيْتُ في مُصْحَفٍ مَكْتُوبٍ بِخَطٍّ تُونُسِيٍّ عُنْوِنَ اسْمُها (سُورَةَ فالمُدَبِّراتِ) وهو غَرِيبٌ، لِوُقُوعِ لَفْظِ المُدَبِّراتِ فِيها ولَمْ يَقَعْ في غَيْرِها.
وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفاقِ.
وهِيَ مَعْدُودَةٌ الحادِيَةَ والثَّمانِينَ في تَرْتِيبِ النُّزُولِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ النَّبَأِ وقَبْلَ سُورَةِ الِانْفِطارِ.
وعَدَدُ آيِها خَمْسٌ وأرْبَعُونَ عِنْدَ الجُمْهُورِ، وعَدَّها أهْلُ الكُوفَةِ سِتًّا وأرْبَعِينَ آيَةً.
* * *
اشْتَمَلَتْ عَلى إثْباتِ البَعْثِ والجَزاءِ، وإبْطالِ إحالَةِ المُشْرِكِينَ وُقُوعَهُ.وتَهْوِيلِ يَوْمِهِ وما يَعْتَرِي النّاسَ حِينَئِذٍ مِنَ الوَهْلِ.
صفحة ٦٠
وإبْطالِ قَوْلِ المُشْرِكِينَ بِتَعَذُّرِ الإحْياءِ بَعْدَ انْعِدامِ الأجْسادِ.وعُرِّضَ بِأنَّ نُكْرانَهم إيّاهُ مُنْبَعِثٌ عَنْ طُغْيانِهِمْ، فَكانَ الطُّغْيانُ صادًّا لَهم عَنِ الإصْغاءِ إلى الإنْذارِ بِالجَزاءِ، فَأصْبَحُوا آمِنِينَ في أنْفُسِهِمْ غَيْرَ مُتَرَقِّبِينَ حَياةً بَعْدَ هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا بِأنَّ جُعِلَ مَثَلُ طُغْيانِهِمْ كَطُغْيانِ فِرْعَوْنَ وإعْراضِهِ عَنْ دَعْوَةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وإنَّ لَهم في ذَلِكَ عِبْرَةً، وتَسْلِيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ .
وانْعَطَفَ الكَلامُ إلى الِاسْتِدْلالِ عَلى إمْكانِ البَعْثِ بِأنَّ خَلْقَ العَوالِمِ وتَدْبِيرَ نِظامِهِ أعْظَمُ مِن إعادَةِ الخَلْقِ.
وأُدْمِجَ في ذَلِكَ إلْفاتٌ إلى ما في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ مِن دَلائِلَ عَلى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى.
وأُدْمِجَ فِيهِ امْتِنانٌ في خَلْقِ هَذا العالَمِ مِن فَوائِدَ يَجْتَنُونَها وأنَّهُ إذا حَلَّ عالَمُ الآخِرَةِ وانْقَرَضَ عالَمُ الدُّنْيا جاءَ الجَزاءُ عَلى الأعْمالِ بِالعِقابِ والثَّوابِ.
وكُشِفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ في إحالَةِ البَعْثِ بِاسْتِبْطائِهِمْ إيّاهُ وجَعْلِهِمْ ذَلِكَ أمارَةً عَلى انْتِفائِهِ، فَلِذَلِكَ يَسْألُونَ الرَّسُولَ ﷺ عَنْ تَعْيِينِ وقْتِ السّاعَةِ سُؤالَ تَعَنُّتٍ، وأنَّ شَأْنَ الرَّسُولِ أنْ يُذَكِّرَهم بِها ولَيْسَ شَأْنُهُ تَعْيِينَ إبّانِها، وأنَّها يُوشِكُ أنْ تَحُلَّ فَيَعْلَمُونَها عِيانًا وكَأنَّهم مَعَ طُولِ الزَّمَنِ لَمْ يَلْبَثُوا إلّا جُزْءًا مِنَ النَّهارِ.