﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾

جُمْلَةُ ﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿وما هو بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ [التكوير: ٢٥] وقَوْلِهِ: ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٧] .

والفاءُ لِتَفْرِيعِ التَّوْبِيخِ والتَّعْجِيزِ عَلى الحُجَجِ المُتَقَدِّمَةِ المُثْبِتَةِ أنَّ القُرْآنَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ كَلامَ كاهِنٍ وأنَّهُ وحْيٌ مِنَ اللَّهِ بِواسِطَةِ المَلَكِ.

وهَذا مِنِ اقْتِرانِ الجُمْلَةِ المُعْتَرِضَةِ بِالفاءِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ [عبس: ١٢] في سُورَةِ عَبَسَ.

وأيْنَ اسْمُ اسْتِفْهامٍ عَنِ المَكانِ. وهو اسْتِفْهامٌ إنْكارِيٌّ عَنْ مَكانِ ذَهابِهِمْ، أيْ: طَرِيقِ ضَلالِهِمْ، تَمْثِيلًا لِحالِهِمْ في سُلُوكِ طُرُقِ الباطِلِ بِحالِ مَن ضَلَّ الطَّرِيقَ الجادَّةَ فَيَسْألُهُ السّائِلُ مُنْكِرًا عَلَيْهِ سُلُوكَهُ، أيِ: اعْدِلْ عَنْ هَذا الطَّرِيقِ فَإنَّهُ مَضِلَّةٌ.

ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلًا في التَّعْجِيزِ عَنْ طَلَبِ طَرِيقٍ يَسْلُكُونَهُ إلى مَقْصِدِهِمْ مِنَ الطَّعْنِ في القُرْآنِ.

والمَعْنى: أنَّهُ قَدْ سُدَّتْ عَلَيْكم طُرُقُ بُهْتانِكم إذِ اتَّضَحَ بِالحُجَّةِ الدّامِغَةِ بُطْلانُ

صفحة ١٦٥

ادِّعائِكم أنَّ القُرْآنَ كَلامُ مَجْنُونٍ أوْ كَلامُ كاهِنٍ، فَماذا تَدَّعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ.

واعْلَمْ أنَّ جُمْلَةَ أيْنَ تَذْهَبُونَ قَدْ أُرْسِلَتْ مَثَلًا، ولَعَلَّهُ مِن مُبْتَكَراتِ القُرْآنِ وكُنْتُ رَأيْتُ في كَلامِ بَعْضِهِمْ: أيْنَ يَذْهَبُ بِكَ، لِمَن كانَ في خَطَأٍ وعَمايَةٍ.